الأصل في الخلع أن يتم بالتراضي بين الزوجين، بحيث لا يمكن إجبار الزوج أو الزوجة عليه، وهذا هو ما أخذ به جمهور فقهاء المسلمين غير أن بعض الفقهاء قد أخذ بجواز إجبار القاضي للزوج على مخالعة الزوجة إن وجد استحالة الحياة الزوجية بينهما.
ويستند هؤلاء إلى ما جاء في حديث امرأة ثابت بن قيس من أن النبي -ﷺ- قال لثابت: اقبل (أي أخذ الحديقة) وطلقها”، والأمر يفيد الوجوب ما لم يصرفه عن هذا الوجوب صارف، وليس في السياق ما يصرف معنى الأمر إلى غير الوجوب، وهو ما يدل على أن النبي -ﷺ- قد ألزم ثابت بن قيس بقبول الحديقة التي كان أمهرها زوجته جميلة بنت عبد الله وتطليق زوجته.
وإذا كان ذلك قد تصرف فيه النبي -ﷺ- بصفته قاضيا فإن هذا الإلزام يصح لكل قاض، ولا أجد صعوبة في العمل بهذا الرأي إذا اختاره ولي الأمر في ظروف اجتماعية معينة.
وقد أخذ جمهور الفقهاء بأن الأمر هنا على سبيل الإرشاد والنصح، ولهذا لم ير جمهور الفقهاء أن للقاضي الحق في جبر الزوج على قبول الخلع وتطليق زوجته إذا أعطته ما كان دفعه لها.
احكام الخلع
المرأة إذا بذلت مالاً لزوجها لتملك عصمتها، فحصلت الفرقة وجرت بلفظ الخلع أو ما يدل عليه، فجمهور الفقهاء خلافا للحنابلة قالوا: إن الخلع طلاق بائن، وذهب الحنابلة إلى أنه فسخ، والمعتدة تعتد بحيضة واحدة، وإذا بانت المرأة من زوجها، فإن طلاقه لها لا يفيد شيئاً، لأنها ليست زوجة له، وأحكام الطلاق إنما تلحق الزوجة.
وذهب الحنفية في رواية إلى أن طلاق المختلعة الصريح يقع، جاء في المبسوط من كتب الحنفية:
ولو قال لها بعد الخلع: اعتدي، ونوى به الطلاق وقع عليها تطليقة أخرى، وعن أبي يوسف – رحمه الله تعالى – أنه لا يقع عليها شيء بهذا؛ لأن هذا اللفظ لا يعمل بنفسه بل بنية الطلاق فيكون بمنزلة قوله بائن.أهـ
وعقد الشافعي في كتاب الأم فصلا بعنوان:الخلاف في طلاق المختلعة، انتهى فيه إلى أن حكم الله أنه إنما تطلق الزوجة لأنَّ الله تبارك وتعالى قال : { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن }.
وجاء في المغني لابن قدامة:
“لا يقع بالمعتدة من الخلع طلاق، ولو واجهها به، وجملة ذلك أن المختلعة لا يلحقها طلاق بحال. وبه قال ابن عباس وابن الزبير وعكرمة، وجابر بن زيد، والحسن، والشعبي ومالك، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وحكي عن أبي حنيفة أنه يلحقها الطلاق الصريح المعين، دون الكناية والطلاق المرسل، وهو أن يقول : كل امرأة لي طالق. وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب، وشريح، وطاوس، والنخعي والزهري والحكم وحماد، والثوري ; لما روي عن النبي ﷺ أنه قال : { المختلعة يلحقها الطلاق، ما دامت في العدة }
ولنا، أنه قول ابن عباس وابن الزبير، ولا نعرف لهما مخالفا في عصرهما. ولأنها لا تحل له إلا بنكاح جديد، فلم يلحقها طلاقه، كالمطلقة قبل الدخول، أو المنقضية عدتها، ولأنه لا يملك بضعها، فلم يلحقها طلاقه، كالأجنبية، ولأنها لا يقع بها الطلاق المرسل، ولا تطلق بالكناية، فلا يلحقها الصريح المعين، كما قبل الدخول. ولا فرق بين أن يواجهها به، فيقول : أنت طالق. أو لا يواجهها به، مثل أن يقول : فلانة طالق. وحديثهم لا نعرف له أصلا، ولا ذكره أصحاب السنن.