نصَّ الفقهاء على أنه يُباح للمريض الذي يَعجز عن الصوم، أو يَضرُّه الصوم، أو يُؤخر شفاءه بإخبار الطبيب الأمين، الفطر لهذا المرَض وعليه قَضاءُ ما أفطَرَ مِن أيامٍ أُخَرَ بعد شِفائه إذا كان المرض يُرجى شفاؤه ، وإذا كان المرض مُزمنًا ولا يُرجَى شِفاؤه فإنه يُعطَى حُكم الشيخ الفاني، ويُباح له الفطر ويجب عليه الفِداء، وذلك بإطعام مِسكينٍ عن كل يومٍ .

يقول الأستاذ الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق :

قال الله تعالى في كتابه العزيز: (يا أيُّها الذينَ آمَنُوا كُتبَ عليكمُ الصيامُ كما كُتبَ على الذينَ مِن قَبْلِكمْ لعلَّكمْ تَتَّقُونَ. أيَّامًا مَعدوداتٍ فمَن كانَ مِنكمْ مَرِيضًا أو علَى سفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أيَّامٍ أُخَرَ وعلَى الذينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طعامُ مِسكينٍ فمَن تَطَوَّعَ خَيرًا فهوَ خيرٌ لهُ وأن تَصومُوا خيرٌ لكمْ إنْ كُنتُمْ تَعلمونَ. شهرُ رمضانَ الذي أُنزِلَ فيهِ القرآنُ هُدًى للناسِ وبَيِّناتٍ مِن الهُدى والفُرقانِ فمَن شَهِدَ منكمُ الشهرَ فَلْيَصُمْهُ ومَن كانَ مَريضًا أو على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِن أيامٍ أُخَرَ يُريدُ اللهُ بكمُ اليُسْرَ ولا يُريدُ بكمُ العُسْرَ) (البقرة: 183 ـ 185).

من هذه الآيات يَتَّضِحُ وُجوبُ الصوم على المسلم البالغ العاقل المُطيق للصوم، وقد خَصَّ الإسلام إباحة الفِطْرِ للمريض، ونَصَّ الفقهاء على أنه يُباح للمريض الذي يَعجِز عن الصوم بأيّة حال من الأحوال، أو يَضرُّهُ أو يُؤخِّر شفاءَه بإخبار الطبيب الحاذق الأمين، أو يَغلب على المريض مَظِنّةُ الهَلاك بسبب الصوم، ففي هذه الحالات نصَّ الفقهاء على وُجوب الفِطر لهذا المريض عملًا بالرُّخصة التي رخَّصها الإسلام، وعليه قضاءُ عدَّةِ ما أفْطَرَ من أيامٍ أخرَ بعد شفائه، وهذا إذا كان المرض يُرجَى بُرؤُه وشِفاؤه .

أما إذا كان المَرض مُزمنًا ولا يُرجَى بُرؤه ويَعجِز معه المريض عن الصوم، ففي هذه الحالة يُعطَى المريضُ حُكمَ الشيخ الفاني، فيُباح له الفِطر ويَجب عليه الفداء وذلك بإطعام مسكين عن كل يوم، بشرط أن يَستمرَّ العجز أو المرض إلى الوفاة.

فإن بَرِئَ مِن المرض في أيِّ وقت مِن أوقات حياته وَجَبَ عليه صومُ الأيام التي أفْطَرَها مهما كانت كثيرةً بقَدْرِ استطاعته.

أما إذا كان المريض يَستطيع الصوم ولكن بمَشقةٍ شديدةٍ فإنه يَجوز للمريض في هذه الحالة الإفطار، وهو مُخيَّرٌ بين الصوم والإفطار.

ومِعيار المرض شخصيٌّ، أيْ أن المَريض هو الذي يُقدِّر مدَى حاجتِه إلى الفِطر وُجوبًا أو جوازًا، وله بل عليه أن يَأخذ برأي طبيبٍ مسلم مُتديِّن يَتبع نُصْحَه في لُزوم الفِطر أو أن الصيام لا يَضرُّ.

وتأسيسًا على ذلك فإن مرضَى الرَّبْوِ الشُّعَبيِّ الذين يَستعملون البخاخة في نهار رمضان عليهم أن يَستشيروا الأطباء الحاذِقينَ المُتخصِّصينَ ويَتَّبِعُوا رأيَهم في الفِطر أو الصيام، فإذا أقرَّ الطبيب بأن البخاخة بها دواءٌ وهذا الدواء يصلُ إلى جوْف المريض أو البُلعوم من طريق الفم فإن صومَه يكون فاسدًا ، وله العذر في ذلك . وإذا كان لا يصل منه شيءٌ إلى الجوف ولا تحتوي البخاخة على دواء وإنما يكون أثرُها في توسيع الشُّعب الهوائية للمريض فقط فلا يَفسد صومُه.

وفي حالة فساد الصوم يجب على المريض القضاءُ من أيامٍ أخرَ بعد زوال هذا المرض، فإن كان مرضُه مُزمنًا ولا يُرجَى بُرؤُهُ فلا يجب عليه الصوم شرعًا وعليه الفدْية.