اختلف الفقهاء في فسخ عقد الزوجية بين الزوجة وزوجها المعسر، وما عليه الجمهور في حال تضرر الزوجة، هو إمهال الزوج فترة مناسبة من الزمن حتى تتحسن حالته، أو يفسخ العقد بينهما .
طلب الطلاق لعدم النفقة
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر – رحمه الله – :
جاء في كتاب “الفروق” للقرافي المالكي: المعسر يُفسخ عليه نِكاحه بطَلاق، في حق من ثبت لها الإنفاق، وقال أبو حنيفة لا يطلق عليه بالإعسار؛ لأن الله تعالى يقول في إنظار المعسر بالدَّين: (وإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) (البقرة: 280) فهاهنا أولى؛ لأن بقاء الزوجية مطلوب لصاحب الشرع، وقياسًا على النفقة في الزمان الماضي، فإنه لا يطلق بها إجماعًا، ولأن عجزه عن نفقة أم ولده لا يوجب بيعها ولا خروجها عن ملكه، فكذلك الزوجة .
واشترط الشافعية ثبوت الإعسار قبل الحكم بالفسخ فإذا أعسر الزوج فلا فسخ قبل ثبوت إعساره، بإقراره أو بينة عند قاضٍ، فيمهله ـ ولو بدون طلبه ـ ثلاثة ليتحقق إعساره .
وإذا أثبت القاضي إعسار الزوج أمهله ـ وإن لم يستمهله ـ ثلاثة أيام ليتحقق العجز، وإن لم يُرج فيها يسار، فإذا مضت رفعت إليه صبيحة اليوم الرابع ليفسخ، أو يأذن لها فيه
وإذا وجد نفقة امرأته يومًا بيوم، لم يُفرق بينهما، وإذا لم يجدها لم يؤجل أكثر من ثلاث، ولا يمنع المرأة في الثلاث أن تخرج فتعمل أو تسأل، فإن لم يجد نففتها خيِّرت بين المُقام معه وفراقه، فإن كان يجد نفقتها بعد ثلاث ـ ييسر يومًا ويعوز يومًا ـ خيِّرت، وإذا مضت ثلاث فلم يقدر على نفقتها بأقل ما وصفت للنفقة على المقتر خيِّرت في هذا الأمر .
وعارض ابن حزم مَن قالوا إن الزوج المعسر الممتنع عن الإنفاق على زوجته يُمهل شهرًا أو نحوه أو شهرين .
هل الإنفاق يجب على الزوج وإن كان معسر
ثم ذكر أنه لا إمهال هنا ولا إرغام على التطليق؛ لأن الآية الكريمة تقول: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ومَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللهُ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاّ مَا آَتَاهَا) (الطلاق: 7) والآية الكريمة تقول: (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاّ وُسْعَها) (البقرة: 286) .
عن الحسن أنه قال في الرجل يَعجَز عن نفقة امرأته: تواسيه وتتّقي الله ـ عز وجل ـ وتصبر، وينفق عليها ما استطاع .
ومن قَدَر على بعض النفقة والكسوة، فسواء قلَّ ما يقدر عليه أو كثُر ـ الواجب أن يقضى عليه بما قدر. ويسقط عنه ما لا يقدر، فإن لم يقدر على شيء من ذلك سقط عنه، ولم يجب أن يقضي عليه بشيء .
فإن أيسر بعد ذلك قضي عليه من حين يوسر، ولا يقضي عليه بشيء مما أنفقتْه على نفسها من نفقة أو كسوة مدة عسره، لقول الله ـ عز وجل ـ: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نفسًا إلا وُسْعَها) (البقرة: 286). وقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا مَا آَتاهَا) (الطلاق: 7) .
فصحَّ يقينًا أن ما ليس في وسعه، ولا آتاه الله تعالى إياه، فلم يكلفه الله ـ عز وجل ـ إياه، وما لم يُكلِّفْه الله تعالى فهو غير واجب عليه، وما لم يجب عليه فلا يجوز أن يقضي عليه به أبدًا: أيسر أو لم يوسر .
وهذا بخلاف ما وجب لها من نفقة أو كسوة فمنعها إياها وهو قادر عليها، فهذا يؤخذ به أبدًا: أعسر بعد ذلك أو لم يعسر؛ لأنه قد كلفه الله تعالى إياه، فهو واجب عليه، فلا يسقطه عنه إعسارُه .
لكن يوجب الإعسار أن ينظر به إلى الميسرة فقط، لقوله ـ عز وجل ـ: (وإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ). (البقرة: 280) .