اتخاذ المحراب في المسجد من المصالح المرسلة، وقد اتخذه السلف في قبلة المسجد للدلالة على القبلة، والحنابلة على استحبابه.

أقوال الفقهاء في المحراب

يقول الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي
نظرا لأن المحاريب لم تكن في عصر النبوة ولا الخلافة الراشدة، ولم تجيء فيها سنة قولية ولا عملية ولا تقريرية، فقد اختلف الفقهاء في حكمها، ما بين مجيز لها وكاره لبنائها، ومفصل في الحكم.
-قال الحنابلة: اتخاذ المحراب مباح. نص عليه. وقيل: يستحب، أومأ إليه أحمد، واختاره الآجري وابن عقيل وابن الجوزي وابن تميم، ليستدل به الجاهل. وكان أحمد يكره كل محدث، واقتصر ابن البناء عليه، فدل على أنه قال به.
وقال الزركشي في إعلام الساجد: كره بعض السلف اتخاذ المحاريب في المساجد.
-وعبارة الحنفية والمالكية تدل على إباحته.
قال ابن عابدين الحنفي: إن الإمام (الراتب) لو ترك المحراب)، وقام في غيره يكره، ولو كان وسط الصف، لأنه خلاف عمل الأمة.
-وقال الدسوقي المالكي: المشهور أن الإمام يقوم في المحراب حال صلاته الفريضة كيف اتفق.
-وقال الشافعية: لا تكره الصلاة في المحراب، ولم يزل عمل الناس عليه من غير نكير.
وهذا هو الذي ينبغي اعتماده: أن لا كراهة في اتخاذ المحراب في المسجد، بل ينبغي اعتماد ما قاله بعض الحنابلة من استحبابه، لما له من فوائد عدة، فهو دليل على جهة القبلة، لأي داخل للمسجد، بل حتى لمن هو خارج المسجد، ثم هو يوفر صفا يحتاج إليه المصلون في صلاة الجمعة ونحوها، فإن الإمام إذا صلى في المحراب بدأت الصفوف من خلفه، وإلا أخذ وحده صفا كاملا.
وترك الرسول والخلفاء الراشدون إقامة المحاريب في زمانهم، لأنهم لم تبد لهم بها حاجة، ولم يقترحها أحد عليهم، كما اقترح المنبر على النبي ، والترك إنما يكون بدعة إذا توافرت الدواعي على فعله في عصر النبوة وامتنع عن فعله. فأما مجرد الترك فلا. فكم من أشياء لم يفعلها النبي وفعلها الراشدون، مثل توسعة مسجده عليه السلام، وبنائه بالحجارة المنقوشة، كما فعل عثمان وأقره الصحابة، ومثل اتخاذه أذانا آخر بالزوراء يوم الجمعة، حين اتسعت المدينة وكثر الناس.
ولم أر عالما في عصرنا ينكر إقامة المحاريب في المساجد، بل استقر هذا منذ قرون من غير نكير من أحد يعتد به وقد صنف الإمام السيوطي رسالة في شأن بناء المحاريب.
أهـ

هل المحراب بدعة

قال الشيخ أبو بكر جابر الجزائري حفظه الله :
إن المصالح المرسلة تبدو لمن لا بصيرة له ، كأنها بدع يجب تجنبها و عدم إقرارها ، من ذلك ما يلي :
اتخاذ طاق في قبلة المسجد، و هو ما يعرف أخيرا بالمحراب. و هو عبارة عن علامة دالة على القبلة؛ إذ لولاها لكان العوام ومن لا علم لهم إذا دخل المسجد في وقت لا يوجد غيره يحتار في القبلة ، و قد يصلي إلى غيرها . و قد يصبح كل من يدخل المسجد يسأل عن قبلته، لذا اتخذ السلف هذا الطاق في قبلة المسجد للدلالة على القبلة، و ليس هو من العبادات في شيء حتى يقال فيه ” بدعة منكرة “.
قلت:
قال القضاعي: أول من أحدث المحراب عمر بن عبد العزيز و هو يومئذ عامل للوليد بن عبد الملك على المدينة لما أسس مسجد النبي صلى الله عليه و سلم وهدمه و زاد فيه.
قال صاحب ( عون المعبود ) متعقبا من قال: أن المحراب من المحدثات:
” وجود المحراب زمن النبي صلى الله عليه و سلم يثبت من بعض الروايات؛ أخرج البيهقي في ( السنن الكبرى) من طريق سعيد بن عبد الجبار بن وائل عن أبيه عن أمه عن وائل بن جحر قال: ” حضرت رسول الله صلى الله عليه و سلم نهض إلى المسجد فدخل المحراب ثم رفع يديه بالتكبير … الحديث “. و أم عبد الجبار هي مشهورة بـ( أم يحيى ) كما رواية الطبراني في ( معجم الصغير ).
و قال ابن الهمام، من سادات الحنفية: ” و لا يخفى أنّ امتياز الإمام مقرر مطلوب في الشرع في حق المكان حتى كان التقدم واجبا عليه…”