على المسلم الذي يريد السفر أن يعد العدة لذلك من نفقة حلال ، وأن يسترضي من يخالطهم وخاصة والديه ، وأن يتقي الله تعالى في نفسه ودينه وماله وأولاده ، وأن يلتزم بالآداب العامة في الإسلام ، وأن يختار الصحبة الصالحة.
وقد ذكر فضيلة الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي-رحمه الله تعالى- أستاذ الشريعة بجامعات سوريا في كتابه القيم الفقه الإسلامي وأدلته جملة آداب عظيمة مفيدة، يستحب للمسلم أن يتحلى بها إذا أراد السفر وقد نقلها عن الإمام النووي ـ رحمه الله ـ ومن أهمها:
1- المشاورة: يستحب أن يشاور من يثق بدينة وخبرته وعلمه في سفره، وعلى المستشار أن يبذل له النصيحة، فإن المستشار مؤتمن والدين النصيحة.
2-الاستخارة: ينبغي إذا عزم على السفر كالحج أو غيره أن يستخير الله تعالى، فيصلي ركعتين من غير الفريضة، ثم يقول بعدها:
اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن ذهابي إلى الحج في هذا العام خير في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله، فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، اللهم وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري وعاجله وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي بالخير حيث كان، ثم رضني به.
ويستحب أن يقرأ في هذه الصلاة بعد الفاتحة في الركعة الأولى (الكافرون) وفي الثانية (الإخلاص). ثم ليمض بعد الاستخارة لما ينشرح إليه صدره.
3- التوبة ورد المظالم والديون: إذا عزم على السفر تاب من جميع المعاصي ورد المظالم إلى أهلها، وقضى ما أمكنه من ديونه، ورد الودائع، وطلب المسامحة ممن كان يعامله أو يصاحبه، وكتب وصيته وأشهد عليها، ووكل من يقضي عنه ديونه ما لم يتمكن من وفائها، وترك لأهله ما يحتاجونه من نفقة.
4- إرضاء الوالدين والزوج: يجتهد في إرضاء والديه وكل ما يبره، وتسترضي المرأة زوجها وأقاربها.
5-كون النفقة حلالاً: ليحرص على أن تكون نفقته حلالاً خالصة من الشبهة.
6 -الاستكثار من الزاد الطيب والنفقة: يستحب الاستكثار منهما ليواسي منه المحتاجين؛ ولقوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون” (البقرة 2/267) والمراد بالطيب هنا: الجيد، وبالخبيث: الرديء.
7 – ترك المماحكة في الشراء: يستحب ذلك بسبب الحج وكل ما يتقرب به إلى الله تعالى.
8 – عدم المشاركة في الزاد والراحلة والنفقة: يستحب ذلك إيثاراً للسلامة من المنازعات .
9 – تحصيل مركوب قوي مريح: ويستحب ذلك، والركوب أفضل من المشي في المذهب الصحيح للشافعية، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن رسول الله ﷺ حج راكباً، وكانت راحلته زاملته. والزاملة: البعير الذي يحمل عليه الطعام والمتاع.
10 – اصطحاب الرفيق: ينبغي أن يطلب له رفيقا موافقاً، راغباً في الخير، كارهاً للشر، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه. ويحرص على رضا رفيقه في جميع طريقه، ويتحمل كل واحد صاحبه، ويرى لصاحبه عليه فضلاً وحرمة، ولا يرى ذلك لنفسه، ويصبر على ما وقع منه أحياناً من جفاء ونحوه. وقد كره الرسول ﷺ الوحدة في السفر، وقال:”الراكب شيطان، والراكبان شيطانان والثلاثة ركب” وإذا ترافق ثلاثة أو أكثر أمروا على أنفسهم أفضلهم وأجودهم رأياً، لحديث “إذا كانوا ثلاثة فليؤمروا أحدهم “.
11-كون السفر يوم الخميس والتبكير: يستحب أن يكون سفره يوم الخميس، “إذ قلما خرج الرسول (ﷺ) في سفر إلا يوم الخميس” فإن فاته فيوم الإثنين؛ إذ فيه هاجر الرسول من مكة، ويستحب أن يبكر لحديث صخر الغامدي: “اللهم بارك لأمتي في بكورها “.
12 – صلاة سنة السفر: يستحب إذا أراد الخروج من منزله أن يصلي ركعتين، يقرأ في الأولى بعد الفاتحة (سورة الكافرون) وفي الثانية (سورة الإخلاص)، ويستحب أن يقرأ بعد سلامه آية الكرسي، ولإيلاف قريش، وسورة الإخلاص والمعوذتين، ثم يدعو بحضور قلب وإخلاص بما تيسر من أمور الدنيا والآخرة، ويسأل الله تعالى الإعانة والتوفيق في سفره وغيره من أموره، فإذا نهض من جلوسه، قال ما رواه أنس: “اللهم إليك توجهت، وبك اعتصمت، اللهم اكفني ما أهمني وما لم أهتم به، اللهم زودني التقوى، واغفر لي ذنبي “.
13- الوداع: يستحب أن يودع أهله وجيرانه وأصدقاءه وأن يودعوه ويستسمحهم، ويقول كل واحد منهم لصاحبه: “أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، زودك الله التقوى، وغفر ذنبك، ويسر لك الخير حيث كنت “.
14- الدعاء عند الخروج من البيت: السنة إذا أراد الخروج من بيته أن يقول ما صح عن رسول الله (ﷺ): “اللهم إني أعوذ بك من أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي” وعن أنس أن النبي ﷺ قال: “إذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال: هديت وكفيت ووقيت .
ويستحب له أن يتصدق بشيء عند خروجه، وكذا بين يدي كل حاجة يريدها، وإذا استوى على دابته قال: “الحمد لله، سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين” وإنا إلى ربنا لمنقلبون “.
ثم يقول: “الحمد لله” ثلاث مرات (الله أكبر” ثلاث مرات).
ثم يقول: “سبحان: اللهم إني ظلمت نفسي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت” للحديث الصحيح في ذلك.
ويستحب أن يضم إليه: “اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما تحب وترضى، اللهم هون علينا سفرنا وأطوِ عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل والمال، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد” للحديث الصحيح في ذلك.
15- السفر بالليل والرفق بالدابة: يستحب إكثار السفر في الليل، لحديث أنس: عليكم الدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل” وأن يريح دابته بالنزول عنها غدوة وعشية، ويتجنب النوم على ظهرها، للحديث الصحيح في النهي عن اتخاذ ظهور الدواب منابر، لكن يجوز للحاجة، لما ثبت في الصحيح أن رسول الله ﷺ خطب على راحلته.
ويحرم عليه أن يحمل على الدابة فوق طاقتها، وأن يجيعها من غير ضرورة.
ولا بأس بالارتداف على الدابة إذا أطاقته، فقد صحت الأحاديث في ذلك.
16 -التقشف والرفق في السفر: أن يتجنب الشبع المفرط، وينبغي أن يستعمل الرفق وحسن الخلق مع الناس، ويتجنب المخاصمة والمخاشنة ومزاحمة الناس في طريق موارد الماء إذا أمكنه ذلك ويصون لسانه من الشتم والغيبة ولعن الدواب وجميع الألفاظ القبيحة.
17-عدم اصطحاب الكلب أو الجرس: يكره أن يستصحب كلباً أو جرساً؛ لقوله ﷺ: “إن العير التي فيها الجرس لا تصحبها الملائكة”، وقوله: “لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس”، “الجرس مزمار الشيطان “.
18 -التكبير والتسبيح: السنة التكبير عند العلو، والتسبيح عند الهبوط في واد ونحوه، بدون رفع الصوت.
19 -الدعاء عند رؤية بلد: يستحب إذا أشرف على قرية أو منزل يقول: “اللهم إني أسألك خيرها وخير أهلها وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها “.
20 -الدعاء عند نزول منزل: السنة إذا نزل منزلاً أن يقول: “أعوذ بكلمات الله
التامات من شر ما خلق” لحديث خولة بنت حكيم فيما رواه مسلم: “من نزل منزلا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك .
ويكره النزول في قارعة الطريق، لحديث أبي هريرة: “لا تعرسوا على الطريق فإنها مأوى الهوام بالليل “.
21-الدعاء عند دخول الليل: السنة إذا جن عليه الليل أن يقول ما رواه أبو داود عن ابن عمر قال: كان رسول الله ﷺ إذا سافر، فأقبل الليل، قال: “يا أرض، ربي وربك الله، أعوذ بالله من شرك وشر ما فيك وشر ما خلق فيك، وشر ما يدب عليك، أعوذ بالله من أسد وأسود، والحية والعقرب، ومن ساكن البلد، ومن والد وما ولد .
22- الدعاء عند الخوف: إذا خاف قوماً أو إنساناً أو غيره، قال ما رواه أبو موسى الأشعري: “أن النبي ﷺ كان إذا خاف قوماً، قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم “.
ويستحب أن يكثر من دعاء الكرب هنا وفي كل موطن وهو: “لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض، ورب العرش الكريم “.
وكان ﷺ إذا كربه أمر قال: “يا حي يا يقوم برحمتك أستغيث “.
23-أذكار المسافر في الأزمات: إذا استصعبت دابته، قرأ في أذنيها “أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون” (آل عمران 3/83) وإذا انفلتت دابته نادى مرتين أو ثلاثاً: “يا عباد الله احبسوا”. وإذا ركب سفينة قال “بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم” (هور 11/41) “وما قدروا الله حق قدره..” الأنعام: 6/91
24 ـ الدعاء في السفر: يستحب الإكثار من الدعاء في جميع سفره لنفسه ولوالديه وأحبائه وولاة المسلمين وسائر المسلمين بمهمات أمور الآخرة والدنيا؛ لقوله ﷺ: “ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده “.
25 ـ التزام الطهارة والصلاة: يستحب له المداومة على الطهارة والنوم على طهارة، والمحافظة على الصلاة في أوقاتها المشروعة، وله عند الشافعية أن يقصر ويجمع، وله ترك الجمع والقصر، وله عند الشافعية فعل أحدهما وترك الآخر، لكن الأفضل أن يقصر وألا يجمع خروجاً من الخلاف؛ لأن أبا حنيفة رحمه الله يوجب القصر ويمنع الجمع، إلا في عرفات والمزدلفة.
وإذا جمع أذن في وقت الأولى، وأقام لكل صلاة.
ويستحب صلاة الجماعة في السفر، ولكن لا تتأكد كتأكدها في الحضر.
وتسن السنن الراتبة مع الفرائض في السفر، كما تسن في الحضر.