اختلف الفقهاء في حكم من ماتوا في الحوادث كالغرق أو الحريق أو الزلزال أو انهيار العمارات والمنازل ونحوها، ومثلهم من ماتوا في الحروب وكانوا ممن يرث بعضهم بعضًا، كالأب وأولاده، والزوج وزوجته، والأخ وإخوته، وأمثالهم، ولم يعرف منهم من مات قبل الآخر.
فقال بعض الفقهاء – وهو المشهور عن الإمام أحمد بن حنبل – يرث بعضهم من بعض.
قال الشعبي: وقع الطاعون بالشام عام عمواس فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم، فكتب في ذلك إلى عمر رضي الله عنه، فكتب عمر: أن ورثوا بعضهم من بعض .
وذهب جمهور الفقهاء إلى قول آخر، نراه هو الراجح، وهو ما روي عن أبي بكر الصديق وزيد وابن عباس ومعاذ والحسن بن علي رضي الله عنهم: أنهم لم يورّثوا بعضهم من بعض، وجعلوا تركة كل واحد للأحياء من ورثته.
وبه قال عمر بن عبد العزيز وأبو الزناد والزهري والأوزاعي ومالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه. ويروى ذلك عن عمر، والحسن البصري، وراشد بن سعد، وحكيم بن عمير، وعبد الرحمن بن عوف، قال ابن قدامة: وروي عن أحمد ما يدل عليه .
واحتج أصحاب هذا القول الذي نرجحه بما رواه سعيد بن منصور في سننه قال: حدثنا إسماعيل ابن عباس عن يحيى بن سعيد: أن قتلى اليمامة، وقتلى صفين والحرة، لم يورّثوا بعضهم من بعض، وورثوا عصبتهم الأحياء.
وذكر بسنده عن أبي جعفر الباقر: أن أم كلثوم بنت علي – امرأة عمر – توفيت هي وابنها زيد ابن عمر، فالتقت الصيحتان في الطريق، فلم يُدْرَ أيهما مات قبل صاحبه، فلم ترثه ولم يرثها، وأن أهل صفين وأهل الحرة لم يتوارثوا .
قالوا: ولأن شرط التوريث حياة الوارث بعد موت الموروث، وهو غير معلوم، لا يثبت التوريث مع الشك في شرطه .
فلو مات ابن وابنه في حادث معًا – لا يرث أحدهما من الآخر، وإنما يرث كلا منهما الأحياء من ورثته.