من معجزاته صلى الله عليه وسلم: انشقاق القمر،ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم نبع الماء من بين أصابعه، وتكثيره ببركته، وقد روي هذا الجم الغفير من الصحابة، منهم أنس، وجابر، وابن مسعود، قال أنس: رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم وقد حانت صلاة العصر، فالتمس الناس ماء للوضوء فلم يجدوه، فأتي النبي صلي الله عليه وسلم بوضوء فوضع في الإناء يده، وأمر الناس أن يتوضأوا منه، قال: فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ الناس حتى توضأوا عن آخرهم، فقيل: كم كنتم؟ قال: زهاء ثلاثمائة.

وقال ابن مسعود : بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس معنا ماء فقال لنا: اطلبوا من معه فضل ماء، فأتي بماء، فصبه في إناء، ثم وضع كفه، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه.
ومن ذلك تكثير الطعام ببركته ودعائه ـ صلى الله عليه وسلم ـ روى أبو طلحة أنه عليه الصلاة و السلام أطعم ثمانين أو سبعين رجلا من أقراص من شعير جاء بها أنس تحت إبطه، فأمر بها عليه الصلاة والسلام ففتت، وقال فيها ما شاء الله أن يقول. وروى جابر أنه عليه الصلاة والسلام أطعم يوم الخندق ألف رجل من صاع شعير وعناق، وقال جابر: فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا ليخبز

وروى أبو أيوب أنه صنع لرسول الله وأبي بكر طعاما يكفيهما، فأطعم منه عليه الصلاة والسلام مائة وثمانين رجلا، وروى مثل ذلك كثير من الصحابة، كعبد الرحمن بن أبي بكر، وسلمة بن الأكوع، وأبي هريرة وعمر بن الخطاب، وأنس بن مالك، رضوان الله عليهم أجمعين.
ومن معجزاته عليه الصلاة والسلام قصة حنين الجذع، قال جابر بن عبد الله: كان المسجد مسقوفا على جذوع النخل، فكان عليه الصلاة والسلام إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صنع له المنبر سمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار، وفي رواية أنس حتى ارتج المسجد لخواره، وفي رواية سهل: وكثر بكاء الناس لما رأوه به، وفي رواية المطلب وانشق حتى جاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فوضع يده عليه فسكت، زاد غيره فقال عليه الصلاة والسلام إن هذا بكى لما فقد من الذكر، وزاد غيره: والذي نفسي بيده لو لم التزمه لم يزل هكذا إلى يوم القيامة تحزنا على رسول الله، فأمر به فدفن تحت المنبر، وهذا الحديث أخرجه أهل الصحة ورواه من الصحابة الكثيرون، ورواه عنهم من التابعين ضعفهم.

ومن معجزاته عليه الصلاة والسلام إبراء المرضى وذوي العاهات فقد أصيبت يوم أحد عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته فردها عليه الصلاة والسلام فكانت أحسن عينيه وأحدهما وبصق على أثر سهم في وجه أبي قتادة في يوم ذي قرد فما ضرب عليه ولا قاح، وغير ذلك كثير مما يعجز قلمنا عن عده ورواه ثقات المسلمين الأعلام.

أما ما منحه الله إياه من إجابة دعواته، فروى عن أنس بن مالك قال: قالت أمي أم سليم: يا رسول الله خادمك أنس ادع الله له، فقال: اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما آتيته، قال أنس: فوالله إن مالي لكثير وإن ولدي وولد ولدي نحو المائة، ودعا لعبد الرحمن بن عوف بالبركة فكان نصيب كل زوجة من زوجاته الأربع من تركته ثمانين ألفا، وتصدق مرة بعير فيها سبعمائة بعير وردت عليه تحمل من كل شيء فتصدق بها وبما عليها وبأقتابها وأحلاسها.

ودعا لمعاوية بالتمكين في الأرض فنال الخلافة، ودعا لسعد بإجابة الدعوة فما دعا لأحد إلا استجيب له، وقال لأبي قتادة: أفلح وجهك، اللهم بارك في شعره وبشره، فمات وهو ابن سبعين سنة، كأنه ابن خمس عشرة، ودعواته عليه الصلاة والسلام المستجابة أكثر من أن تحصى.

أما ما أطلعه الله عليه من علم ما لم يكن، فمما سارت به الركبان فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقاما فما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، قد علمه أصحابي هؤلاء وإنه ليكون منه الشيء فأعرفه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم إذا رآه عرفه وما أدري أنسى أصحابي أم تناسوه.

وقد خرج أهل الصحيح والأئمة ما أعلم به أصحابه مما وعدهم به من الظهور على أعدائه، وفتح مكة، وفتح المقدس، واليمن، والشام، والعراق، وظهور الأمن حتى تظعن المرأة من الحيرة إلى مكة لا تخاف إلا الله، وإن المدينة ستغزى ويفتح خيبر على يد علي في غد يومه، وما يفتح الله على أمته من الدنيا ويؤتون من زهرتها، وقسمتهم كنوز كسرى وقيصر، وقدمنا كثيرا من ذلك في هذه السيرة وقدمنا ما في القرآن من ذلك، وهذا يغنينا عن الإطالة في هذا المقام فحسبك ما سمعت.
ومما ينير بصيرتك أيها القارئ ما من الله به على رسولنا من عصمته له من الناس وكفايته من آذاه، قال تعالى: “والله يعصمك من الناس” (المائدة:67) وقال: “واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا” (الطور:48) وقال: “أليس الله بكاف عبده” (الزمر:36) وقال: “إنا كفيناك المستهزئين” (الحجر:95) ولما نزل “والله يعصمك من الناس” صرف حجابه وقال: انصرفوا فقد عصمني الله.
وعلى الجملة فيكفينا من هذا الباب أنه عليه الصلاة والسلام مكث بين أعداء ألداء بمكة ثلاث عشرة سنة، وبين مشابهيهم من المنافقين واليهود عشر سنين، فما تمكن أحد من إيصال أذى إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بل كفاه مولاه شر أعدائه حتى أظهر الدين وتممه.