يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي -حفظه الله-:

إذا فهمنا اللغة الرمزية ـ وهي لغة تتميز بعالميتها وسعتها ـ سهل علينا أن نفهم كثيرًا من أسرار مناسك الحج وأعماله.

“فما الإحرام في حقيقته، وهو أول المناسك ـ إلا التجرد من شهوات النفس والهوى، وحبسها عن كل ما سوى الله، وعلى التفكير في جلاله.

وما التلبية إلا شهادة على النفس بهذا التجرد، وبالتزام الطاعة والامتثال.

وما الطواف بعد التجرد إلا دوران القلب حول قدسية الله، صنع المحب الهائم مع المحبوب المنعم، الذي ترى نعمه، ولا تدرك ذاته.

وما السعي بعد هذا الطواف إلا التردد بين علمي الرحمة التماسًا للمغفرة والرضوان.

وما الوقوف بعد السعي إلا بذل المهج في الضراعة بقلوب مملوءة بالخشية، وأيد مرفوعة بالرجاء، وألسنة مشغولة بالدعاء، وآمال صادقة في أرحم الراحمين.

وما الرمي بعد هذه الخطوات التي تشرق بها على القلوب أنوار ربها، إلا رمز مقت واحتقار لعوامل الشر، ونزغات النفس، وإلا رمز مادي لصدق العزيمة في طرد الهوى المفسد للأفراد والجماعات.

وما الذبح ـ وهو الخاتمة في درج الترقي إلى مكانة الطهر والصفاء ـ إلا إراقة دم الرذيلة بيدٍ اشتد ساعدها في بناء الفضيلة، ورمز للتضحية والفداء على مشهدٍ من جند الله الأطهار الأبرار”.