الجمهور يفرقون بين سفر ولي الصبي ( الأب أو من قام مقامه ) إلى مكان يتخذه موطنا جديدا ، وبين سفره لزيارة أو تجارة بحيث يعود إلى موطنه الأصلي دون الانقطاع عنه والاستيطان في بلد آخر: فيقولون بأن السفر المؤقت الذي بعده عودة لا يسقط حضانة الأم ، وأما سفر الانقطاع عن البلد فيسقطها إذا كان الطريق آمنا ، ولم يكن الموطن الجديد دار حرب أو بلد فسق ، أو قريبا من موطن الأم بحيث يمكنها رؤية ولده.
واشترط الحنابلة أن لا يكون قصد الأب أو الولي من تغيير السكن هو الإضرار بالأم ، وإلا لا تسقط حضانتها .

ولكن الحنفية يرون أن سفر الأب أو الولي الذي قام مقامه لا يسقط حضانة الأم سواء كان سفرا مؤقتا أم انقطاعا عن سكنه ، وسواء كان سفرا قريبا أم بعيدا.
و نحن نرجح رأي الحنفية ، لأنه هو الأقرب للعدل ، والأحوط لعدم مضارة الولي للأم الحاضنة.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية :
مكان الحضانة هو المسكن الذي يقيم فيه والد المحضون إذا كانت الحاضنة أمه وهي في زوجية أبيه ، أو في عدته من طلاق رجعي أو بائن . ذلك أن الزوجة ملزمة بمتابعة زوجها والإقامة معه حيث يقيم ، والمعتدة يلزمها البقاء في مسكن الزوجية حتى تنقضي العدة سواء مع الولد أو بدونه ، لقوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ). الطلاق 1
وإذا انقضت عدة الأم فمكان الحضانة هو البلد الذي يقيم فيه والد المحضون أو وليه ، وكذلك إذا كانت الحاضنة غير الأم ، لأن للأب حق رؤية المحضون، والإشراف على تربيته ، وذلك لا يتأتى إلا إذا كان الحاضن يقيم في بلد الأب أو الولي . هذا قدر مشترك بين المذاهب ، وهو ما صرح به الحنفية وتدل عليه عبارات المذاهب الأخرى.

أما مسألة انتقال الحاضن، أو الولي إلى مكان آخر ففيه اختلاف المذاهب، وبيان ذلك كما يلي :

يفرق جمهور الفقهاء- المالكية والشافعية والحنابلة – بين سفر الحاضنة ، أو الولي للنقلة والانقطاع ـ أي تغيير محل الإقامة ـ والسكنى في مكان آخر، وبين السفر لحاجة كالتجارة والزيارة:
1 – فإن كان سفر أحدهما (الحاضنة أو الولي) للنقلة والانقطاع سقطت حضانة الأم ، وتنتقل لمن هو أولى بالحضانة بعدها بشرط أن يكون الطريق آمنا ، والمكان المنتقل إليه مأمونا بالنسبة للصغير ، والأب هو الأولى بالمحضون سواء أكان هو المقيم أم المنتقل ، لأن الأب في العادة هو الذي يقوم بتأديب الصغير ، وحفظ نسبه ، فإذا لم يكن الولد في بلد الأب ضاع ، لكن قيد الحنابلة أولوية الأب بما إذا لم يرد مضارة الأم وانتزاع الولد منها ، فإذا أراد ذلك لم يجب إليه ، بل يعمل ما فيه مصلحة الولد . وإن سافرت الأم مع الأب بقيت على حضانتها.

2 – وإن كان السفر لحاجة كتجارة وزيارة كان الولد مع المقيم منهما حتى يعود المسافر، وسواء أكان السفر طويلا أم قصيرا، وكذا يكون الولد مع المقيم لو كان الطريق أو المكان المنتقل إليه غير آمن في سفر النقلة والانقطاع . هذا قول الجمهور.

أما الحنفية فقد ذهبوا إلى أنه لا يجوز للأم الحاضنة التي في زوجية الأب أو في عدته الخروج إلى بلد آخر، وللزوج منعها من ذلك.

أما إن كانت منقضية العدة فإنه يجوز لها الخروج بالمحضون إلى بلد آخر في الأحوال الآتية:

1-  إذا خرجت إلى بلدة قريبة بحيث يمكن لأبيه رؤيته والعودة في نهاره على ألا يكون المكان الذي انتقلت إليه أقل حالا من المكان الذي تقيم فيه حتى لا تتأثر أخلاق الصبي.

2- إذا خرجت إلى مكان بعيد مع تحقق الشروط  الآتية:
أ – أن يكون البلد الذي انتقلت إليه وطنها.
ب – أن يكون الزوج قد عقد نكاحه عليها في هذا البلد ـ أي : تزوجها فيه.
ج– ألا يكون المكان الذي انتقلت إليه دار حرب إذا كان الزوج مسلما أو ذميا .

فإذا تحققت هذه الشروط جاز لها السفر بالمحضون إلى هذا المكان البعيد ، لأن المانع من السفر أصلا هو ضرر التفريق بين الأب وبين ولده ، وقد رضي به لوجود دليل الرضا وهو التزوج بها في بلدها لأن من تزوج امرأة في بلدها فالظاهر أنه يقيم فيه ، والولد من ثمرات النكاح فكان راضيا بحضانة الولد في ذلك البلد ، فكان راضيا بالتفريق ، وعلى ذلك فليس لها أن تنتقل بولدها إلى بلدها إذا لم يكن عقد النكاح ـ أي الزواج ـ قد وقع فيه ، ولا أن تنتقل إلى البلد الذي وقع فيه عقد النكاح إذا لم يكن بلدها ، لأنه لم يوجد دليل الرضا من الزوج ، فلا بد من تحقق الشرطين ، واعتبر أبو يوسف مكان العقد فقط . أما شرط ألا يكون المكان حربيا إذا كان الزوج مسلما أو ذميا فلما في ذلك من إضرار بالصبي لأنه يتخلق بأخلاق الكفار.

هذا إذا كانت الحاضنة هي الأم فإن كانت غيرها فلا يجوز لها الخروج بالصغير إلى أي مكان إلا بإذن الأب لعدم العقد بينهما.
كما يرى الحنفية أنه ليس للأب أو الولي أخذ الصغير ممن له الحضانة من النساء والانتقال به من بلد أمه بلا رضاها ما بقيت حضانتها قائمة ، ولا يسقط حقها في الحضانة بانتقاله ، وسواء أكان المكان الذي ينتقل إليه قريبا أم بعيدا.(انتهى) .

وعليه : فأخذا برأي الحنفية ، وترجيحا له لا يجوز للأب أن يأخذ ولده من حضانة أمة ما دامت الحضانة قائمة.
ولكن يمكّن من رؤية ولده متى شاء دون إرهاق للأم.كأن يسافر إليه فيراه ، وإن تيسر للأم أن تسافر قريبا من الأب فهو أفضل ، ليقوم الأب بالإشراف على ولده .