رفع الإسلام مكانة الأم وأعلى قدرها ولم تعرف البشرية دينا حفظ للأم مكانتها مثل الإسلام، فقد قرن الحق -سبحانه وتعالى- برها والإحسان إليها بأهم القضايا وأعظمها خطرا ألا وهي قضية التوحيد فقال سبحانه: ” إن الشرك لظلم عظيم. ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن” –لقمان: آية 14- فلذا من أراد أن يهنئ بالعيش في دنياه ويسعد في أخراه فعليه أن يكون بارا بأمه.

الوصية بالأم في الإسلام:

يقول فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي –رحمه الله-
يقال: إن فلانًا بين يدَي فلان. يعنى أمامه، ويقال: إن فلانًا تحت أقدام فلان. وهذه كناية، مثلما تقول: إن فلانًا طوع يدي. وإن لم تُمسكه يداك، فكأنك قبضت عليه بيدك توجهه كيف تشاء فتذوب إرادته، كما لا يخرج المقبوض عليه من يد قابضه.
فإذا قلنا: إن “الجنة تحت أقدام الأمهات” فليس معناه الإخبارَ عن مكان الجنة هنا، إنما معناه: من أراد الجنة فليَلزَم قَدَمَ أمه. بمعنى أن يكون في الموطن الذي يظنّه الناس مُهِينًا مع سواها. وبذلك يكون معنى “الجنة تحت أقدام الأمهات”: يا من أراد الجنة الزَمِ الذلةَ والخضوع. كما قال الله عز وجل: (واخفِضْ لهما جَنَاحَ الذّلّ من الرحمة) (الإسراء: 24).

وعندما أوصى ـ ـ بالوالدين جعل الوصية الغالبة للأم؛ لأن الأب له من الكدح في الحياة ما قد يغنيه، ولأنه إن تعرض للحاجة وإلى السؤال فلا غبار عليه، أما إذا وصلت الأم إلى هذا الحد من الحاجة فذلك مهانة لها يجب أن تَحفظَها وتُجَنِّبَها إياها.
وعندما سئل رسول الله ـ ـ من أحق الناس بالصحبة؟ قال: “أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك” فأوصى بالأم ثلاث مرات قبل أن يوصيَ بالأب؛ لأن الأم تمثل الجانب الضعيف، وهي تمثل الحنان والستر، فأراد الله صيانتها.

وعندما قال الله تعالى: (وقل ربِّ ارحَمْها كما ربَّياني صغيرًا) -الإسراء: 24- طلب العليُّ القديرُ من الابن الدعاءَ للأبوَين كليهما بالرحمة، وأرجَعَ التربية إلى كل من الأم والأب، فالأم تعطي الحنان والرعاية، وللأب جانب الكفاح وراء الرزق، فكلاهما مشترك في التربية.

الوصية بالوالدين في الإسلام:

وأوصى كذلك القرآن الكريم بالوالدَين (ووصَّينا الإنسان بوالدَيه إحسانًا).
فقد أوصى بالوالدين معًا، وفي الآية الأخرى قال: (وقل ربِّ ارحَمْها كما ربَّياني صغيرًا).
إذًا فقد أوصى الله تعالى الأبناء بالوالدين معًا، ولكننا نجده في آية أخرى يقول: (ووصَّينا الإنسانَ بوالدَيه إحسانًا حمَلَته أمُّه كُرهًا ووضَعَته كُرهًا) –الأحقاف: 15- ومرة أخرى يقول: (حمَلَته أمُّه وَهْنًا على وَهْنٍ) -لقمان:14- فأتَى في الآيتَين الكريمتَين بأسباب وحيثيات التوصية لجانب الأم، فهو جل شأنه أوصى بالوالدين معًا ثم أتى بالسبب للأم؛ وذلك لأن الأشياء التي يصنعها الأب للابن أشياء واضحة له، فعندما ينفتح ذهن الابن يجد أن كل شيء مردّه إلى الأب، فهو الذي يأتي بالأموال التي يشتري بها طلباته، وبذلك حين تتفتح عقلية الابن وينظر إلى مصادر النفع له يجد أن مردّها إلى الأب، فالابن هنا لا يحتاج إلى لفت نظره إلى دور الأب لأنه أدرك بنضجه العقليّ ما يفعله أبوه له.

أما متاعب الأم بالنسبة للولد فقد حدثت في مرحلة لم يبلغ فيها الابن بعدُ مسألةَ الإدراك لما يحدث، فهو لا يستطيع أن يدرك المتاعب التي تتكبدها الأم في فترة الحمل والرضاعة، وما تبذله من جهد عظيم لرعايته في مرحلة طفولته المبكرة، وبذلك فإن متاعب الأم غير مُدرَكة للولد الذي يوجّه له النصيحة، ولكن عندما ينصحه يكون قد بلغ من النضج والمقدرة على الفهم فيقدّر ما يفعله له أبوه في الوقت الحاضر، أما ما فعلته أمه قديمًا فهو لا يدركه في نفسه مع إمكان إدراكه في غيره، فأتى الله سبحانه وتعالى ليذكّره بذلك.