يقول الأستاذ أحمد يوسف سليمان أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة:
المعروف أن الأم نموذج للرحمة والعطف والتضحية، وقد غرس الله -عز وجل- فيها ذلك كله حتى قيل: “إن الجنة تحت أقدام الأمهات”، بل إن هذه الرحمة وضعها الله -عز وجل- في قلوب الأمهات من الإنسان والحيوان والطير، وهذا مشاهد محسوس معلوم، لا يحتاج إلى استدلال عليه، أو تنبيه إليه.

وصية للأبناء في التعامل مع الآباء

نوصي الأبناء بالصبر على أذى والدتهم، وألا يقاطعوها، بل يخفضوا لها جناح الذل من الرحمة؛ فقد قال الله -تعالى-: ( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) (لقمان: 15)، وقال سبحانه وتعالى: ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) (الإسراء: 23-24).

كما نوصي بأن يتقي الأبناء الله في آبائهم وأمهاتهم، وأن يعاملوهم بما يحبون أن يتعاملوا به أولادهم معهم في مستقبل الحياة، عند كبر سنهم وانقطاع عمرهم؛ فقد قيل: “اعمل ما شئت كما تدين تدان”.

هل مقاطعة الولد لوالده عقوق

يقول الدكتور أحمد طه ريان -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر- نخشى أن يكون نصيبكم أيها الأبناء من هذه المقاطعة لأقرب الناس إليكم، وأرحمهم بكم، وأعطفهم عليكم، أكبر بكثير من العقوق، فالعقوق وإن كانت عاقبته وخيمة في الدنيا والآخرة، لكن نخشى أن يكون وضعكم كمن وصفهم الله ـ تعالى ـ بقوله: (فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون). وهذا وصفٌ وصف الله تعالى به المنافقين؛ بأنهم إن أعطوا من متع الدنيا شيئًا من المال، أو الأرض رضوا عن رسول الله وعن الإسلام، وإن لم يعطوا منها شيئًا، امتلأت قلوبهم حقدًا وبغضًا لرسول الله ـ  ـ وللمسلمين والإسلام.

أفلا يتذكر الأبناء ما بذلته أمهم في حملهم ورضاعهم وسهر الليالي عليهم إذا أصابتهم حمى، وصبر أمهم وأباهم عليهم وتربيتهم لهم حتى صاروا كبار ، “فلما بلغت السِّنَّ والغاية التي إليها مدَى ما كنتُ منك أؤمِّلُ، جعلتَ جزائي منك جبهًا وغلظة كأنك أنت المنعِم المتفضِّلُ”.

ماذا جرى لأبنائنا وبناتنا يذكرون ما هو أدنى من الماديات وغيرها، وينسون أو يتناسون ما هو أجل وأخطر وأعظم من معاني العطف والصلة والمرحمة، ينشغلون بأموال الدنيا الزائلة، ولا تشغلهم جنة عرضها السموات والأرض، لا يدخلها إلا من كان بارًا بوالديه، محسنًا إليهما، خافضًا لهما جناح الذل من الرحمة، ذاكرًا فضلهما عليه، شاعرًا بالتقصير في حقهما مهما كان عطاؤه لهما، وإلا فمصيره إلى جهنم؟!