تحرم مصافحة الرجل المرأة الشابَّة الأجنبية عنه ، لورود النصوص التي تفيد حرمة مصافحة النساء ، وسدًّا للذريعة إلى الفساد ، وإذا حرُم النظر وهو أخفُّ ، حرُم المسُّ والمصافَحة ، أما إذا كانت المرأة عجوزًا فأجاز بعض الفقهاء المصافحة .
يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر :
تكاد تتفق آراء الفقهاء على حُرْمة مُصافَحة الرجل المرأة الشابَّة الأجنبية عنه “التي ليست محرمًا له أو زوجًا” أو العكس ، ولو عند وجود الحائل ، وإن انتفت الشهوة وأُمِنَت الفتنة عند المصافَحة ، وذلك لما رُوى عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : “ما بايع رسول الله – ﷺ – امرأة بصفق اليد ، وإنما كانت مبايعته – ﷺ – النساء بالكلام” ، وفي رواية أخرى : “ما مسَّت يد رسول الله – ﷺ – يدَ امرأة قط ، وإنما كان يبايعهن كلامًا” .
وقد يدَّعِي البعض أن عدم مصافحته – ﷺ – النساء الأجنبيات ليس لحرمة مصافحتهن ، وإنما ذلك لخصوصيته بعدم مصافحتهن ، إلا أن هذا مردود عليه بما قاله ابن العربي : “ما رُوِي أنه – ﷺ – صافحَهُنَّ على ثوبه ، أو أناب عمر بن الخطاب في مصافحتهن ، أو كلَّف امرأة وقفت على الصفا فبايعتهن ، فذلك ضعيف .
وما ينبغي التعويل عليه في ذلك ، هو ما رُوِيَ في الصحيح ، من أنه لم يصافح امرأة منهن ، وما مسَّت يده يد امرأة لا تَحِل له” ، وقد يدَّعِي البعض أن رسول الله – ﷺ – كان يصافح العجائز في البَيْعة ، ولا يصافح الشوابَّ من النساء ، وهذا الادِّعاء باطل كذلك ، إذ دحضتْه عائشة – رضي الله عنها – بقولها : “مَن زعم أن رسول الله – ﷺ – مسَّ امرأة أجنبية فقد أعظم الفِرْية عليه” .
فليست حُرْمة مُصافَحة الرجل المرأة الأجنبية عنه ، خاصية لرسول الله – ﷺ – وإنما هو تشريع يُشاركه فيه جميع أفراد الأمة ، يدل لهذا الأحاديث الكثيرة ، التي ورد فيها الوعيد الشديد على مس الرجل المرأة الأجنبية عنه ، والتي يفيد عمومها أن حظْر المسِّ أو المصافحة عام ، ومن هذه النصوص ما رُوِي عن معقل بن يسار أن رسول الله – ﷺ – قال : “لأن يُطعَن في رأس أحدِكم بمِخْيَط من حديد ، خير له من أن يَمَسَّ امرأةً لا تَحِل له” ، وما روي عنه – ﷺ – أنه قال : “مَن مسَّ كف امرأة ليس منها بسبيل وُضِع على كفِّه جمرة يوم القيامة” .
وأما إذا كانت المرأة عجوزًا أو شوهاءَ أو دميمة الخِلْقة أو مريضة ، فإن المالكية والشافعية يَرَوْن حرمة مصافحةَ الرجل لها ، إلا إذا كان ثَمَّةَ حائل كثيف بين الكفين ، وأُمِنَت الفتنة عند المصافحة ، للأحاديث السابقة ، وإن كان الحنفية وبعض الحنابلة يرَوْنَ جواز مصافحة الرجل لمثل هذه المرأة ، ولو بدون حائل ، إذا أُمِنَت الفتنة عند المصافحة ؛ لما رُوِيَ “أن رسول الله – ﷺ – كان يُصافح العجائز في البَيْعة” ، إلا أن هذا الحديث غير ثابت ، وقد روي عن عائشة – رضي الله عنها – إنكارها له ، كما سبق .
ومِن ثَمَّ فإني أرى حرمة مصافحة الرجل المرأة الأجنبية عنه ، أو العكس ، ولو كانت عجوزًا أو شوهاء أو دميمة الخِلْقة أو مريضة لعموم النصوص السابقة ، التي أفادت حرمة مصافحة النساء مطلقًا ، ولم تُخَصِّص النساء اللاتي تَحرُم مصافحتهن بكونهن شوابَّ ، فبقي حظر مصافحة النساء على عمومه ؛ ولأن لكلِّ ساقطةٍ لاقطةٌ ، فالمرأة التي قد لا يشتهيها بعض الرجال لمعنًى فيها يُقَلِّل من رغبة هؤلاء فيها ، قد يشتهيها البعض الآخر ، فينبغي المنع من مصافحتهن كذلك ، سدًّا للذريعة إلى الفساد ، إذ اللَّمْس – ومنه المُصافَحَة – أبلغ في إثارة الشهوة بين الطرَفَيْن المُتَلامِسَيْن من مجرد نظر كلٍّ منهما إلى الآخر ، وإذا حرُم النظر وهو أخفُّ ، حرُم المسُّ والمصافَحة بالأولى .
ولفضيلة الدكتور يوسف القرضاوي فتوى مطولة في هذه المسألة خلص فيها إلى أمرين :
الأول :أن المصافحة إنما تجوز عند عدم الشهوة ، وأمن الفتنة ، فإذا خيفت الفتنة على أحد الطرفين ، أو وجدت الشهوة والتلذذ من أحدهما حرمت المصافحة بلا شك ، بل لو فقد هذان الشرطان عدم الشهوة وأمن الفتنة بين الرجل ومحارمه مثل خالته ، أو عمته ، أو أخته من الرضاع ، أو بنت امرأته ، أو زوجة أبيه ، أو أم امرأته ، أو غير ذلك ، لكانت المصافحة حينئذ حرامًا ، بل لو فقد الشرطان بين الرجل وبين صبي أمرد ، حرمت مصافحته أيضًا ، وربما كان في بعض البيئات ، ولدى بعض الناس ، أشد خطرًا من الأنثى .
الثاني:ينبغي الاقتصار في المصافحة على موضع الحاجة ، مثل الأقارب والأصهـار الذين بينهم خلطـة وصلة قوية ، ولا يحسـن التوسع في ذلك ، سدًا للذريعة ، وبعدًا عن الشبهة ، وأخذًا بالأحوط ، واقتداءً بالنبي -ﷺ- ، الذي لم يثبت عنه أنه صافح امرأة أجنبية قط ، وأفضل للمسلم المتدين ، والمسلمة المتدينة ألا يبدأ أحدهما بالمصافحة ، ولكن إذا صوفح صافح .
وإنما قررنا الحكم ليعمل به من يحتاج إليه دون أن يشعر أنه فرط في دينه، ولا ينكر عليه من رآه يفعل ذلك ما دام أمرًا قابلاً للاجتهاد .