قراءة القرآن من غير مسِّ المُصحف أو حَمْله بالنسبة للحائض والنفساء والجُنُب فيها رأيان: رأي بالمَنْع وهو لجمهور الفقهاء، ورأي بالجواز. واستدل على المنع بأدلة منها:

1ـ ما رواه أصحاب السُّنن عن علي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان لا يَحْجُبه عن القراءة شي إلا الجَنَابة وصحح الترمذي هذا الحديث. وقال ابن حجر: إن بعضهم ضعَّف بعض رواته فهو من قبيل الحسن، ويصلح للاحتجاج به.

2ـ ما رواه أحمد وأبو يعلى عن علي أيضًا قال: رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ توضأ ثم قرأ شيئًا من القُرآن ثم قال “هكذا لمن ليس بجُنُب فأما الجُنُب فلا ولا آية” قال الهيثم: رجاله مُوَثَّقون، قال الشوكاني : فإن صحَّ هذا الحديث صلح للاستدلال على التحريم؛ لأن غايته أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ترك القراءة حال الجَنَابة. ومثله لا يصح متمسكًا للكراهة فكيف يستدل به على التحريم؟

3 ـ ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن ابن عمر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “لا يقرأ الجُنُب ولا الحائضُ شَيئًا من القُرآن” وقد ضُعِّف هذا الحديث.
والذين أجازوا القراءة للجُنُب، ومنهم داود، وابن حزم الظاهريان، استندوا إلى كتاب هِرَقْل الذي أرسله إليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما رواه البخاري ومسلم ـ وكانت فيه آية (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ…) وهو وغيره ممن أُرْسِلَت إليه الكتب لا يتطهرون من الجَنَابَة. وذهب البخاري والطبري إلى ذلك. قال البخاري: لا بأس أن تقرأ الحائضُ الآيةَ ولم يَر ابنُ عباس بالقراءة للجُنُب بأسًا، وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يذكر الله على كلِّ حال.

قال الحافظ ابن حَجَر تعليقًا على هذا. لم يصح عند المُصنف ـ البخاري ـ شيء من الأحاديث الواردة في ذلك. أي في مَنْعِ الجُنُب والحائض من القراءة، وإن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحُجَّة عند غيره، لكن أكثرها قابلٌ للتأويل. وذهب أبو حنيفة إلى قراءة ما دون الآية . وبعد عَرْض الرأيين نقول: إن أدلة المَنْع من القراءة للجُنُب قوية، ولا نرى جوازها إلا للضرورة القُصوى، كالاستدلال من القُرْآنِ عَلَى رأي في مجالِ النِّقاش مثلاً، وكقراءته لتأدية امتحان يترتب على عدم القراءة فيه ضَرر، وكذلك مدرسة القرآن نرى أن تعتذر المُدَرِّسَة عن عدم القراءة وتؤجلها حتى تطهُر أو تُكَلِّف غيرها بالقراءة.
هذا وقد جاء في فقه المذاهب الأربعة ما يأتي:

1 ـ المالكية قالوا: لا يجوز للجُنُب قراءة القرآن إلا إذا كان يسيرًا وقرأه بقصد التحصُّن أو الاستدلال. أما الحائض والنفساء فإنه يجوز لها قراءة القرآن حالَ نزول الدم. سواء كانت عليها جَنَابَة من قبل أم لا، أما بعد انقطاع الدم فإنه لا يجوز القراءة قبل الاغتسال سواء كانت عليها جَنَابَة أو لا على المُعْتمد؛ وذلك لأنها صارت مُتمكنة من الاغتسال فلا تحِلُّ لها القراءة قبله. أما مَسُّ المصحف أو كتابته فإنه يجوز لها للتعلُّم أو التعليم فقط. وكذلك لا يجوز للجُنُب دخول المسجد لا لمُكْثٍ فيه ولا المرور من باب إلى باب آخر.

2 ـ والحنفية قالوا: يَحْرُمُ على الجُنُب تلاوة القُرآن إلا إذا كان مُعَلِّمًا، فإنه يجوز له أن يُلَقِّن المُتَعَلِّمَ كَلِمَةً كَلِمَةً، بحيث يفصل بينهما، وأن يفتتح أمرًا ذا بال بالتسمية، وأن يقرأ الآية القصيرة بقصد الدُّعاء أو الثناء، ومثل الجُنُب في ذلك الحائض والنفسَاء، أما دخول المسجد فيُحْرُمُ إلا للضرورة.

3 ـ والشافعية قالوا: يَحْرُمُ على الجُنُب قراءة القرآن ولو حَرْفًا واحدًا إن كان قاصدًا تلاوته، أما إذا قَصَدَ الذِّكْر فَلا يَحْرُمُ مثل “بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ” عند الأكل، أما المرور بالمسجد فيجوز للجُنُب والحائض والنفساء من غير مُكْثٍ فيه ولا تردد بشرط أمْن عدم تلوث المسجد. ولا يجوز المُكث فيه إلا للضرورة.

4 ـ الحنابلة قالوا: يُباح للجُنُب أن يقْرأ ما دون الآية القصيرة دون ما زاد على ذلك، وله الذِّكْر به، أما المُكث في المسجد فيجوز بالوضوء ولو بدون ضرورة. أما الحائض أو النفساء فلا يجوز لها المُكث بالوضوء إلا إذا انقطع الدم.