يقول الدكتور محمد أحمد المسير الأستاذ بجامعة الأزهر :
أمر الرسول ـ ﷺ ـ المسلمين بالتماس ليلة القدر وإحيائها كي يحظى المسلم بالثواب الجزيل الذي أعده الله تعالى لعباده الصائمين القائمين؛ ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ ﷺ ـ قال: “من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه”. وجاءت روايات عند النسائي وأحمد تزيد: “وما تأخر”.
وقد التمس الرسول ـ ﷺ ـ ليلة القدر في العشر الأول من رمضان فلم يصادفها ثم التمسها في العشر الأوسط فلم يصادفها، وأخيرًا بلَّغ أصحابه بوقوعها في العشر الأخير بل حددها لهم بأنها في الوِتْر من العشر الأخير، وفي صحيح البخاري عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال: “تَحَرَّوْا ليلة القدر في الوتر من العَشْر الأواخر من رمضان”، والقول بأن ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين من رمضان هو قول اجتهادي لا ينفي أقوالاً أخرى، ولعل في إخفاء هذه الليلة ما يُحفِّز المسلم إلى دوام المراقبة واليقظة الدينية.
وكون الليل يتكرر على مستوى الكرة الأرضية لا يعني أن ليلة القدر تكون في جهة دون أخرى، كما أن النهار يتكرر على مستوى الكرة الأرضية، وكل مسلم مُطالَب بصيام نهار رمضان عندما يَحِل عليه ذلك النهار دون ارتباط بوُجود النهار في بقعة أخرى من الأرض.
فالمسلم مطالَب شرعًا بتحري هذه الليلة المباركة والتماسها على ضوء الواقع الجغرافي لمنطقته، ويكون هذا التحرِّي بالاعتكاف في المساجد والمحافظة على الجماعة في الصلوات المكتوبات، وتلاوة القرآن والدعاء إلى الله والتهجد ليلاً..والمسألة ابتداءً وانتهاءَ هي ثواب الله يتفضل به على عباده المؤمنين الأصفياء ويمنحه لمن يشاء ليلاً أو نهارًا، ولا حرج على فضل الله، قال تعالى: (وهو الذي جعل الليل والنهار خِلْفَةً لمن أراد أن يذكَّر أو أراد شكورًا) (الفرقان: 62).