يقول الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-:
في هذا الشهر المُبارَك أُنزِل القرآن الكريم، يقول سبحانه: (شهرُ رمضانَ الذي أُنزِل فيه القرآنُ هدًى للناسِ وبَيِّناتٍ منَ الهدَى والفُرقانِ)، ويقول سبحانه: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ في ليلة القَدْر. وما أدراكَ ما ليلةُ القَدْرِ. ليلةُ القدرِ خيرٌ من ألفِ شهرٍ. تَنَزَّلُ الملائكةُ والرُّوحُ فيها بإذنِ رَبِّهِمْ مِنْ كلِّ أمرٍ. سلام هي حتى مطلع الفجر)، ولقد سمَّى القرآنُ الليلةَ التي نزلت فيها ليلة القدر، أي ليلة الشرَ‍ف والرِّفعة، ووصفها بأنها مُبارَكة، يقول الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ. فيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ. أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ. رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السمِيعُ العليمُ)، وما دام القرآن الكريم قد أُنْزِل في ليلة القَدْر، وأنه ـ سبحانه ـ قد أنزله في شهر رمضان، فإنه يَتَعَيَّن أن تكون ليلة القدْر في شهر رمضان.

وإذا نظرْنا إلى القرآن الكريم، فإننا نجد أنه لم يُحَدِّدْها، ولم يحددها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ تحديدًا تامًّا، وإنما حدَّد على التقريب، فإنه ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ يقول فيما رواه البخاري ومسلم ـ رضي الله عنهماـ: “تَحَرَّوْا ليلةَ القَدْر في العشر الأواخر”، أي في العشر الأواخر من رمضان”، وتَحَرَّوْا أي: اطلبوها بجِدٍّ في العبادة، ثم يُقَرِّب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأمر أكثر من ذلك، فيقول فيما رواه الإمام البخاري: “تَحَرَّوا ليلة القدْر في الوِتْر من العشر الأواخر من رمضان”.

وروى الإمام أحمد عن عُبادة بن الصامت قال: “أخبرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ليلة القدْر، قال: هي في شهر رمضان في العشر الأواخر، ليلة إحدَى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو خمس وعشرين، أو سبع وعشرين، أو تسع وعشرين، أو آخر ليلة من رمضان، مَن قامها إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه”، وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “مَن قام ليلة القدْر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه، ومَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه”.

يقول الإمام الصاوي في حاشيتِه على الجلالين: وأحسنُ ما يُدْعَى به في تلك الليلة العفو والعافية كما ورد، وينبغي لمَن شقَّ عليه طُول القيام، أن يتخيَّر ما ورد في قراءته كثرة الثواب، كآية الكرسي، فقد ورد أنها أفضل آية في القرآن، وكأواخر البقرة؛ لِما ورد: مَن قام بهما في ليلة كَفَتاه، وكسورة “إذا زلزلت”؛ لِمَا ورد أنها تَعْدِل نصف القرآن، وكسورة “الكافرون” لِمَا ورد أنها تَعْدِل ربع القرآن، و”الإخلاص“: تَعْدِل ثلثه.

ويُكثِر فيها من الاستغفار، والتسبيح والتحميد، والتهليل، وأنواع الذِّكْر، والصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويدعو بما أحب لنفسه، ولأحبابه أحياءً وأمواتًا. ويتصدق بما تَيَسَّر له، ويَحفَظ جوارحَه عن المعاصي.