ذهب كثير من أهل العلم إلى أن الصفرة والكدرة يعتبران من دم الحيض ، ويأخذان حكمه إذا جاءا في أيام حيض المرأة ، فإذا نزل على المرأة شيء منهما في غير أيام عادتها فلا عبرة بهما ، ولتعتبر المرأة نفسها طاهرا ، والذي رجحه بعض المحققين أن دم الحيض هو الدم الأسود الذي تعرفه المرأة بنتن رائحته وغلظه فقط ، وما سوى ذلك من الصفرة والكدرة وغير ذلك من الإفرازات لا يعتبر دم حيض وهذا المذهب رجحه غير واحد من المحققين فلتكن عليه الفتوى ، وعليه فإذا انتهى دم الحيض الذي تعرفه المرأة برائحته ولونه- الأسود- فلتغتسل، ولا تلتفت إلى الكدرة ولا الصفرة ولا غير ذلك . وكذلك إذا أتتها الصفرة والكدرة قبل أيام الحيض فلا تلتفت إليها حتى يأتيها الدم الأسود القاني .
يقول الدكتور يوسف القرضاوي مبينا حكم الصفرة والكدرة في كتابه فقه الطهارة :-
إذا رأت المرأة الصُّفرة والكدرة فما حكمها؟ والمراد بالصفرة والكدرة: السائل الأصفر، أو الكدر، وقال بعضهم: هما شيء كالصديد يعلوه صفرة وكدرة، وليسا على لون شيء من الدماء القوية ولا الضعيفة .
وإذا رأت الصفرة والكدرة بعد طهرها من الحيض، فلا يعتبر هذا السائل ولا يعتد به. وقد روى البخاري عن أم عطية رضي الله عنها قالت: “كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئا. أي في زمن النبي ﷺ مع علمه بذلك، كما قال الحافظ. ولو كان هذا خطأ لصوب الوحي خطأهن .
وفي رواية أبي داود: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا .
قال النووي: إسنادها إسناد صحيح على شرط البخاري .
حكم الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض:-
وما الحكم إذا رأت المرأة الصفرة والكدرة أيام الحيض نفسها: أيعتد بها أم لا؟
جمهور العلماء اعتبروا بها، مستدلين بمفهوم حديث أم عطية ـ من رواية أبي داود ـ المقيّد بما بعد الطهر. وبفتوى عائشة: أنها كانت تفتي النساء أن لا يعجلن بالخروج من الطهر حتى يرين القَصّة البيضاء، وفي مذهب مالك والشافعي وأحمد: متى رأت في أيام عادتها صفرة أو كدرة، فهي حيض، وإن رأته بعد أيام حيضها لم تعتد به. نص عليه أحمد، وهو مذهب النووي أيضا .
وقال أبو يوسف وأبو ثور: لا يكون حيضا إلا أن يتقدمه دم أسود. لحديث أم عطية: “كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئا .
وحكى شيخ الإسلام ابن تيمية وجها في مذهب أحمد: أن الصفرة والكدرة ليستا بحيض مطلقا .
ابن حزم يرى أن دم الحيض هو الدم الأسود الشديد الحمرة فقط:-
وذهب ابن حزم وجمهور الظاهرية إلى أن الحيض هو الدم الأسود الخائر الكريه الرائحة فقط، وما عداه من الحمرة والصفرة والكدرة، وما كان مثل غسالة اللحم، فلا يعتبر حيضا، ولا يترتب عليه أحكام الحيض .
واحتج لذلك بما ثبت من أحاديث تعرّف الحيض، وتفرّق بينه وبين الاستحاضة، وأن دم الحيض (أسود يعرف) أي تعرفه النساء بلونه وغلظه ونتنه .
ومما استدل به ابن حزم ما رواه مسلم عن عائشة أيضا أن النبي ﷺ قال لأم حبيبة بنت جحش ـ وكانت مستحاضة ـ:”إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي، قالت عائشة: فكانت تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب، حتى تعلو حمرة الدم الماء .
وأما قول عائشة للنساء الحيّض: “حتى ترين القصة البيضاء، فقد خولفت هذه الرواية عن عائشة نفسها، كما خالفت عائشة غيرها من الصحابة .
فعن قتادة عن عائشة: ما كنا نعد الصفرة والكدرة حيضا .
وروى البخاري عن أم طلحة قالت: سألت عائشة أم المؤمنين فقالت: دم الحيض بحراني أسود. – والبحراني هو شديد الحمرة -.
وعن ابن عباس قال: أما ما رأت الدم البحراني فلا تصلي، فإذا رأت الطهر، ولو ساعة من نهار، فلتغتسل وتصلي .
فرأى وأفتى أنه لا يمنع الصلاة إلا الدم البحراني .
وروى البخاري عن أم عطية: كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئا. (هكذا بإطلاق) .
وعن علي بن أبي طالب: إذا رأت بعد الطهر مثل غسالة اللحم، أو مثل قطرة الدم من الرعاف، فإنما ذلك ركضة من ركضات الشيطان، فلتنضح الماء، ولتتوضأ ولتصل. فإن كان عيطا لا خفاء به، فلتدع الصلاة .
كما روي عن عدد من التابعين مثل ذلك. فعن سعيد بن المسيب في المرأة ترى الصفرة والكدرة: أنها تغتسل وتصلي .
وعن إبراهيم النخعي قال: تتوضأ وتصلي. وعن مكحول مثل ذلك .
واستدل صاحب (الروضة الندية) بحديث فاطمة بنت أبي حبيش في الاستحاضة بأن “دم الحيض أسود يعرف” رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن حزم، وروى النسائي نحوه من حديث عائشة. وروى الطبراني والدارقطني نحوه من حديث أبي أمامة مرفوعا بلفظ: “دم الحيض لا يكون إلا أسود .
قال: فدلت هذه الأحاديث على أنه لا يقال للصفرة ولا للكدرة: دم حيض، ولا يعتد بها، سواء كانت بين دمَيْ حيض، أو بعد دم حيض .
قال: ولا يعارض هذا: ما أخرجه في الموطأ، وعلقه في البخاري: أن النساء كن يبعثن إلى عائشة بالدُّرْجة، فيها الصفرة والكدرة من دم الحيض، ليسألنها عن الصلاة، فتقول لهن: لا تعجلن، حتى ترين القَصّة البيضاء” فإن هذا ـ مع كونه رأيا منها ـ ليس بمخالف لما تقدم، لأنها لم تخبرهن بأن الصفرة والكدرة حيض، إنما أمرتهن بالانتظار إلى حصول دليل يدل على أنه قد انقضى الحيض، وهو خروج القصة، فمتى خرجت لم يخرج بعدها دم حيض. ولم تأمرهن بالانتظار ما دامت الصفرة والكدرة. وهذا واضح لا يخفى.