إن المقاطعة ليست واجبة في ذاتها، ولكنها سلاح أراد العلماء إطلاقه لاستضعاف أعدائنا ومجاهدتهم به في وقت لا يملك فيه آحاد المسلمين سلاحا أمضى منه، وعلى هذا ففلسفة المقاطعة تقوم على مدى إمكانية إنكاء وإضعاف الأعداء به، فمتى كانت المقاطعة ستسفر عن أضرار بالغة في أعدائنا فيجب إشهار هذا السلاح حتى وإن ترتب عليه بعض الأضرار على المسلمين طالما أن أضرار العدو أكبر.

ومتى كانت الأضرار الناجمة عن المقاطعة على المسلمين أقوى منها على الأعداء فلا يكون لها معنى حينئذ مثل التواصل العلمي والتقني بين المسلمين وأعدائهم فالخاسر في المقاطعة في هذا الجانب هم المسلمون.

وعليه فالواجب على التاجر المقارنة بين حجم الاستفادات والخسائر المترتبة على شراء البضائع التي يتاجر بها، فإذا كان المستفيد الأكبر المسلمين فلا بأس حينئذ من شرائها، وإذا كان المستفيد الأكبر  أعداء الإسلام فالواجب المقاطعة، ولا يقلق المسلم على رزقه، والله يخلف عليه.

هل مقاطعة البضائع الأجنبية واجبة

يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:-

لا شك أن المسلم مأمور بمجاهدة أعداء دينه ووطنه، بكل ما يستطيع من ألوان الجهاد، الجهاد باليد، والجهاد باللسان، والجهاد بالقلب، والجهاد بالمقاطعة . . كل ما يضعف العدو، ويخضد شوكته يجب على المسلم أن يفعله، كل إنسان بقدر استطاعته، وفي حدود إمكانياته، ولا يجوز لمسلم بحال أن يكون رداء أو عونًا لعدو دينه وعدو بلاده.

فالمسلم يقف ضد أعدائه الذين يريدون أن ينتقصوا حقوقه، وينتهكوا حرماته بكل ما يستطيع، وكل من والى أعداء الله وأعداء الدين وأعداء الوطن فهو منهم، كما قال الله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) (المائدة: 51) أي من كان مواليًا لهم بقلبه أو بلسانه أو بمعاملته أو بماله، أو بأي طريقة من الطرق أو أسلوب من الأساليب فهو منهم . . يصبح في زمرتهم . . وهذا ما حذّر القرآن منه في أكثر من سورة، وفي أكثر من آية، جعل الذين يتولون الكفار جزءًا منهم وبعضًا منهم . . (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) (الأنفال: 73 ).

فالمسلم لا يوالي الكافر، والبر لا يوالي الفاجر، فإذا والاه كان دليلاً على نقص إيمانه أو على زوال إسلامه والعياذ بالله، فهو نوع من الردة، ولون من المروق عن الإسلام، المفروض أن المسلم إذا لم يستطع أن يجاهد أعداءه بالسيف، فعلى الأقل يجاهدهم بالمقاطعة، لا يتسبب في أن ينفعهم اقتصاديًا أو ماديًا أو تجاريًا، لأن كل دينار أو كل ريال أو كل قرش أو كل روبية تذهب إلى العدو، معناه: أنك أعطيتهم رصاصة أو ثمن رصاصة تتحول بعد ذلك إلى صدر مسلم.

فالمال هو الذي سيشتري السلاح الذي يقتل . . . وهكذا . . أنت إذا عاونت مشركًا أو كافرًا أو فاجرًا يحارب المسلمين، فأنت بذلك تقتل نفسًا مسلمة، وهذه كبيرة من الكبائر العظمى قال تعالى:(ومن قتلها فكأنما قتل الناس جميعا) (المائدة: 32). وقال تعالى:(ومن يقتل مؤمنا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها، وغضب الله عليه ولعنه، وأعد له عذابًا عظيمًا). (النساء: 93).

فالمفروض في المسلم ألا يكون مع أعدائه أبدًا، مهما أظهروا من حسن النوايا فهذا كذب – يقول الله تعالى: (وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض) (الجاثية: 19)، ويقول تعالى:(ومن يتولهم منكم فإنه منهم) (المائدة: 51) ويقول سبحانه وتعالى: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) (المائدة: 82).

فلابد أن نعرف هذا جيدًا، وأن يكون كل مسلم مع أمته الإسلامية، ومع دينه . . . . وهذا أقل شيء . . وهو أمر فطري في الأمم . . فالإنسان إذا حارب سواه، لا يحاربه بالسلاح فقط، بل بأكثر من ذلك . . . بالمقاطعة . .

المشركون حينما أرادوا في مكة أن يحاربوا النبي – -، أول ما حاربوه، لم يكن حرب السلاح، وإنما كانت حربًا اقتصادية بالمقاطعة قاطعوه وأصحابه، وأهله، ممن انتصروا، من بني المطلب وبني هاشم . . . حاصروهم، وقاطعوهم ولم يبيعوا لهم ولم يشتروا منهم، ولم يزوجوهم، ولم يتزوجوا منهم، وذلك معناه: الحرب الاقتصادي معناه الإعداد . . فهكذا . . وهؤلاء مشركون . . فالمسلمون أولى بأن يعرفوا ذلك وأن يقاطعوا كل عدو لله، وكل عدو للمسلمين،

وكل من خرج على ذلك فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين. انتهى.

ما هو حكم التجارة مع الدول الأجنبية

يقول الشيخ فيصل مولوي نائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث :-

اتفق جمهور الفقهاء على جواز التجارة مع الحربيين – وهم غير المسلمين الذين لا توجد بينهم وبين المسلمين عهود. ومن باب أولى أنّ التجارة جائزة مع غير المسلمين الذين توجد بيننا وبينهم عهود، وهذا يشمل اليوم كلّ دول العالم المرتبطة بميثاق الأمم المتحدة والمواثيق المتفرّعة عنه. ولم يستثنِ الفقهاء من ذلك إلاّ أمرين: –

الأول: الاتجار بالمحظورات الشرعية كالخمور والخنازير وسائر المنكرات.

الثاني: تصدير السلاح أو الأدوات التي يصنع منها.انتهى

هل المقاطعة من الولاء والبراء

-من قاطع بضائع الكفار المحاربين وقصد بذلك إظهار عدم موالاتهم ، وإضعاف اقتصادهم ، فهو مثاب مأجور إن شاء الله تعالى على قصده.

-ومن تعامل معهم متمسكا بالأصل وهو جواز التعامل مع الكفار – لاسيما بشراء ما يحتاج إليه – فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى ، ولا يكون ذلك قدحا في أصل الولاء والبراء في الإسلام .