يجوز للمرأة التقدم للترشيح للمجالس النيابية، حيث إن الأصل في مثل هذه الأشياء هو الجواز لا المنع ، والأدلة التي استدل بها المانعون أدلة غير صريحة في التحريم ، فنعود للأصل.

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي -رحمه الله تعالى- في فتوى مطولة نختصر منها ما يلي :
المرأة إنسان مكلف مثل الرجل، مطالبة بعبادة الله تعالى، وإقامة دينه، وأداء فرائضه، واجتناب محارمه، والوقوف عند حدوده، والدعوة إليه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكل خطابات الشارع تشملها، إلا مادل دليل معين على أنه خاص بالرجال، فإذا قال الله تعالى : ” يا أيها الناس ” أو ” يا أيها الذين آمنوا ” فالمرأة داخلة فيه بلا نزاع.
ولهذا لما سمعت أم سلمة رضي الله عنها النبي -- يقول : ” أيها الناس ” وكانت مشغولة ببعض أمرها، هرعت لتلبية النداء، حتى استغرب بعضهم سرعة إجابتها،فقالت: لهم أنا من الناس.
والأصل العام أن المرأة كالرجل في التكليف إلا ما استثنى ؛ لقوله تعالى :” بعضكم من بعض ” (آل عمران : 195) وقوله -- : ” إنما النساء شقائق الرجال ” . رواه أحمد، والترمذي، وأبوداود والدارمي.

والقرآن الكريم يحمل الجنسين الرجال والنساء جميعًا، مسئولية تقويم المجتمع وإصلاحه وهو ما يعبر عنه إسلاميًا بعنوان (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) . يقول الله تعالى: ” والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله ” (التوبة : 71).
ذكر القرآن في هذا المقام سمات أهل الإيمان، بعد أن ذكر سمات أهل النفاق بقوله : ” المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض، يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف . (التوبة : 67).

تنبيهات مهمة:
وأود أن أنبه هنا على جملة أمور مهمة:
الأول : أننا يجب ألا نلزم أنفسنا إلا بالنصوص الثابتة الصريحة الملزمة.
أما ما لا يثبت من النصوص كالأحاديث الضعيفة، أو ما كان محتملا في فهمه لأكثر من وجه، وأكثر من تفسير – مثلما جاء في شأن نساء النبي – فليس لأحد أن يلزم الأمة بفهم دون آخر، وخصوصًا في الأمور الاجتماعية العامة التي تعم بها البلوى، وتحتاج إلى التيسير.
الثاني : أن هناك أحكامًا وفتاوى لا نستطيع أن نفصلها عن عصرها وبيئتها . ومثلها قابل للتغير بتغير موجباته ولهذا قرر المحققون أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال والعرف.

الثالث: أن العلمانيين اليوم يتاجرون بقضية المرأة، ويحاولون أن يلصقوا بالإسلام ما هو براء منه، وهو أنه جار على المرأة، وعطل مواهبها وقدراتها، ويحتجون لذلك بممارسات بعض العصور المتأخرة، وبأقوال بعض المتشددين من المعاصرين.

أدلة من ذهبوا إلى تحريم دخول المرأة المجالس النيابية والردعليها:
على هذا الأساس يجب أن ننظر في موضوع دخول المرأة في ” مجلس الشعب ” أو الشورى، ومشروعية ترشيحها، ومشروعية انتخابها لهذه المهمة في ضوء الأدلة الشرعية.
فمن الناس من يرى ذلك حرامًا وإثمًا مبينًا، ولكن التحريم لا يثبت إلا بدليل لا شبهة فيه . والأصل في الأشياء والتصرفات الدنيوية الإباحة، إلا ما قام الدليل على حرمته، فما الدليل على التحريم، الذي يسوقه هؤلاء؟.
1ـ آية : ” وقرن في بيوتكن ” :
بعضهم يستدل هنا بقوله تعالى : ” وقرن في بيوتكن ” فلا يجوز للمرأة أن تدع بيتها إلا لضرورة أو حاجة.
وهذا الدليل غيرناهض:
أولا :لأن الآية تخاطب نساء النبي كما هو واضح من السياق، ونساء النبي لهن من الحرمة وعليهن من التغليظ ما ليس على غيرهن . ولهذا كان أجر الواحدة منهن إذا عملت صالحًا مضاعفًا، كما جعل عذابها إذا أساءت مضاعفًا أيضًا.

ثانيًا :أن أم المؤمنين عائشة، مع هذه الآية، خرجت من بيتها، وشهدت ” معركة الجمل ” استجابة لما تراه واجبًا دينيًا عليها، وهو القصاص من قتلة عثمان . وإن أخطأت التقدير فيما صنعت.

ثالثًا :أن المرأة قد خرجت من بيتها بالفعل، وذهبت إلى المدرسة والجامعة، وعملت في مجالات الحياة المختلفة، طبيبة ومعلمة ومشرفة وإدارية وغيرها، دون نكير من أحد يعتد به، مما يعتبره الكثيرون إجماعًا على مشروعية العمل خارج البيت للمرأة بشروطه.

رابعًا :أن الحاجة تقتضي من ” المسلمات الملتزمات ” أن يدخلن معركة الانتخاب في مواجهة المتحللات والعلمانيات اللائي يزعمن قيادة العمل النسائي، والحاجة الاجتماعية وغيرها قد تكون أهم وأكبر من الحاجة الفردية التي تجيز للمرأة الخروج إلى الحياة العامة.

خامسًا :أن حبس المرأة في البيت لم يعرف إلا أنه كان في فترة من الفترات – قبل استقرار التشريع – عقوبة لمن ارتكبت الفاحشة : ” فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ” (النساء : 15) فكيف يظن أن يكون هذا من الأوصاف اللازمة للمرأة المسلمة في الحالة الطبيعية ؟.

 2ـ سد الذرائع:
وهناك من ينظر إلى الأمر من زاوية أخرى، هي زاوية ” سد الذرائع ” . فالمرأة عندما ترشح للبرلمان، ستتعرض في أثناء الدعاية الانتخابية للاختلاط بالرجال وربما الخلوة بهم، وهذا حرام، وما أدى إلى الحرام فهو حرام.

ولا شك أن سد الذرائع مطلوب، ولكن العلماء قرروا أن المبالغة في سد الذرائع كالمبالغة في فتحها، وقد يترتب عليها ضياع مصالح كثيرة، أكبر بكثير من المفاسد المخوفة.
وهذا الدليل يمكن أن يستند إليه من يرى منع المرأة من الإدلاء بصوتها في الانتخاب خشية الفتنة والفساد، وبهذا تضيع على أهل الدين أصوات كثيرة، كان يمكن أن تكون في صفهم ضد اللادينيين …. ولا سيما أن أولئك يستفيدون من أصوات النساء المتحللات من الدين.

ومن هنا نقول : إن المسلمة الملتزمة – إذا كانت ناخبة أو مرشحة – يجب أن تتحفظ في ملاقاتها للرجل من كل ما يخالف أحكام الإسلام، من الخضوع بالقول، أو التبرج في الملبس، أو الخلوة بغير محرم، أو الاختلاط بغير قيود . وهو أمر مفروغ منه من قبل المسلمات الملتزمات.

 3ـ المرأة والولاية على الرجل:
وهناك من يستدلون على منع المرأة من الترشيح للمجلس النيابي بأن هذا ولاية على الرجال، وهي ممنوعة منها بل الأصل الذي أثبته القرآن الكريم أن الرجال قوامون على النساء، فكيف نقلب الوضع وتصبح النساء قوامات على الرجال ؟.
وأود أن أبين هنا أمرين:
الأول :أن عدد النساء اللائي يرشحن للمجلس النيابي محدود، وستظل الأكثرية الساحقة للرجال، وهذه الأكثرية هي التي تملك القرار، وهي التي تحل وتعقد فلا مجال للقول بأن ترشيح المرأة للمجلس سيجعل الولاية للنساء على الرجال!.

الثاني :أن الآية الكريمة التي ذكرت قوامية الرجال على النساء، إنما قررت ذلك في الحياة الزوجية، فالرجل هو رب الأسرة، وهو المسئول عنها، بدليل قوله تعالى : ” الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ” (النساء : 34) فقوله : ” بما أنفقوا من أموالهم ” يدلنا على أن المراد القوامة على الأسرة، وهي الدرجة التي منحت للرجال في قوله تعالى : ” ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، وللرجال عليهن درجة “. (البقرة : 228).

ومع قوامية الرجل على الأسرة، ينبغي أن يكون للمرأة دورها، وأن يؤخذ رأيها فيما يهم الأسرة، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في مسألة فطام الرضيع : ” فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما “. (البقرة : 233) .
وكما جاء في الحديث الذي رواه أحمد : ” آمروا النساء في بناتهن ” أي استشيروهن في أمر زواجهن.
أما ولاية بعض النساء على بعض الرجال – خارج نطاق الأسرة – فلم يرد ما يمنعه، بل الممنوع هو الولاية العامة للمرأة على الرجال.

4ـ شبهة وردها:
ومن الشبهات التي أثارها بعض المعارضين لترشيح المرأة في المجلس النيابي قولهم : إن عضو المجلس أعلى من الحكومة نفسها، بل من رئيس الدولة نفسه، لأنها – بحكم عضويتها في المجلس – تستطيع أن تحاسب الدولة ورئيسها . ومعنى هذا أننا منعناها من الولاية العامة، ثم مكناها منها بصورة أخرى.
وهذا يقتضي منا إلقاء الضوء بالشرح والتحليل لمفهوم العضوية في المجلس الشورى أو النيابي.

مهمة عضو المجلس النيابي:
ومن المعلوم أن مهمة المجالس النيابية في الأنظمة الديمقراطية الحديثة ذات شقين، هما : المحاسبة والتشريع. وعند تحليل كل من هذين المفهومين يتضح لنا ما يأتي:
معنى المحاسبة:
المحاسبة أو المراقبة في تحليلها النهائي حسب المفاهيم الشرعية، ترجع إلى ما يعرف في المصطلح الإسلامي بـ ” الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ” وبـ”النصيحة في الدين” وهي واجبة لأئمة المسلمين وعامتهم.
والأمر والنهي والنصيحة مطلوبة من الرجال والنساء جميعًا. والقرآن الكريم يقول بصريح العبارة : ” والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر “.
والرسول -- حين قال – فيما رواه مسلم – ” الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم ” لم يجعل ذلك مقصورًا على الرجال وحدهم.
ولقد رأينا المرأة ترد على أمير المؤمنين عمر في المسجد، فيرجع عن رأيه إلى رأيها، ويقول : ” أصابت المرأة وأخطأ عمر ” . كما رواه ابن كثير وجود إسناده.
وقد استشار النبي -- أم سلمة في غزوة الحديبية فأشارت عليه بالرأي السديد، وقد بادر إلى تنفيذه، فكان من ورائه الخير.
وما دام من حق المرأة أن تنصح وتشير بما تراه صوابًا من الرأي، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتقول : هذا صواب وهذا خطأ، بصفتها الفردية فلا يوجد دليل شرعي يمنع من عضويتها في مجلس يقوم بهذه المهمة.

والقول بأن مجلس الشعب أو الشورى أو الأمة – حسب تسمياته المختلفة – أعلى مرتبة من الحكومة أو السلطة التنفيذية نفسها، ومنها رئيس الدولة، لأنه هو الذي يحاسبها، قول غير مسلم على إطلاقه.
فليس كل محاسب أعلى منزلة ممن يحاسبه، وإنما المهم أن يكون له حق المحاسبة وإن كان أدنى منه.

فمما لا ريب فيه أن أمير المؤمنين، أو رئيس الدولة أعلى منزلة، وأعلى سلطة في الدولة، ومع هذا نجد أن من حق أدنى فرد في رعيته أن ينصح له ويحاسبه ويأمره وينهاه، على نحو ما قاله الخليفة الأول : ” إن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فقوموني “.
وما قال الخليفة الثاني : ” من رأى منكم في اعوجاجًا فليقومني “.

على أن المجلس إن كان أعلى من الحكومة – بوصفه الذي يشرع لها ويحاسبها – فذلك باعتبار مجموعة لا باعتبار كل فرد فيه، والأغلبية في المجموع للرجال.

جانب التشريع في المجلس:
والشق الثاني من مهمة مجلس الشعب يتعلق بالتشريع.
وبعض المتحمسين يبالغون في تضخيم هذه المهمة، زاعمًا أنها أخطر من الولاية والإمارة، فهي التي تشرع للدولة، وتضع لها القوانين، لينتهي إلى أن هذه المهمة الخطيرة الكبيرة لا يجوز للمرأة أن تباشرها.

والأمر في الحقيقة أبسط من ذلك وأسهل . فالتشريع الأساسي إنما هو لله تعالى . وأصول التشريع الآمرة الناهية هي من عند الله سبحانه، وإنما عملنا نحن البشر هو استنباط الحكم فيما لا نص فيه . أو تفصيل ما فيه نصوص عامة . وبعبارة أخرى عملنا هو ” الاجتهاد ” في الاستنباط والتفصيل والتكييف.

والاجتهاد في الشريعة الإسلامية باب مفتوح للرجال والنساء جميعًا، ولم يقل أحد : إن من شروط الاجتهاد – التي فصل فيها الأصوليون – الذكورة . وأن المرأة ممنوعة من الاجتهاد.
وقد كانت أم المؤمنين عائشة من مجتهدات الصحابة ومن المفتيات بينهن، ولها مناقشات واستدراكات على علماء الصحابة، جمعت في كتب معروفة. (مثل كتاب الإمام الزركشي ” الإجابة لاستدراكات عائشة على الصحابة ” ولخصه السيوطي في كتابه ” عين الإصابة .

وهذا مطلوب من المرأة في مجلس الشعب، والمرأة في مجلس الجامعة، والمرأة في مجلس الكلية، والمرأة في عملها خارج البيت أيًا كان هذا العمل.
ومن المطلوب في دولة تراعي آداب الإسلام أن يكون للنساء موقعهن الخاص في المجلس : صفوف خاصة، أو ركن خاص لهن، أو نحو ذلك، مما يوفر لهن جوا من الطمأنينة والبعد عن أي فتنة يخافها المتوجسون.