صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة ، وقد ثبتت مشروعيتها بسنة رسول الله ﷺ عند قلة الأمطار وانحباسها فلا بد للناس أن يبادروا إلى التوبة والاستغفار ، وأكمل صفاتها أن يخرج الناس إلى مصلى العيد فيصلون ركعتين كصلاة العيد مع خطبة، فإن استسقى إمام الجمعة أثناء خطبة الجمعة فيكفي الدعاء أثناء خطبة الجمعة ولا حاجة للقنوت أثناء صلاة الجمعة ولا حاجة للصلاة بعدها ؛ لأن هذه الصفة لم تنقل عن النبي ﷺ ، فيكتفى بالدعاء أثناء الخطبة..
حكم صلاة الاستسقاء:
يقول فضيلة الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة ثبتت مشروعيتها بسنة رسول الله ﷺ عند قلة الأمطار وانحباسها فلا بد للناس أن يبادروا إلى التوبة والاستغفار مصداقاً لقوله تعالى:( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ) سورة نوح الآيات 10-12.وقال تعالى: ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ…) سورة هود الآية 52.
استسقاء النبي ﷺ:
قال العلامة ابن القيم:[ ثبت عنه ﷺ أنه استسقى على وجوه:
أحدها:يوم الجمعة على المنبر في أثناء خطبته وقال اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا.
الوجه الثاني:أنه ﷺ وعد الناس يوماً يخرجون فيه إلى المصلى فخرج لما طلعت الشمس متواضعاً متبذلاً متخشعاً مترسلاً متضرعاً فلما وافى المصلى صعد المنبر – إن صح وإلا ففي القلب منه شيء – فحمد الله وأثنى عليه وكبره وكان مما حفظ من خطبته ودعائه:
(الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت تفعل ما تريد ، اللهم لا إلا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا وبلاغاً إلى حين ثم رفع يديه وأخذ في التضرع والابتهال والدعاء وبالغ في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حوَّل إلى الناس ظهره واستقبل القبلة وحوَّل إذ ذاك رداءه وهو مستقبل القبلة فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن وظهر الرداء لبطنه وبطنه لظهره وكان الرداء خميصة سوداء وأخذ في الدعاء مستقبل القبلة والناس كذلك ثم نزل فصلى بهم ركعتين كصلاة العيد من غير أذان ولا إقامة ولا نداء البتة ، جهر فيهما بالقراءة وقرأ في الأولى بعد فاتحة الكتاب سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية.
الوجه الثالث: أنه ﷺ استسقى على منبر المدينة استسقاءً مجرداً في غير يوم جمعة ولم يحفظ عنه ﷺ في هذا الاستسقاء صلاة.
الوجه الرابع: أنه ﷺ استسقى وهو جالس في المسجد فرفع يديه ودعا الله عز وجل فحفظ من دعائه حينئذ اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريعاً طبقاً عاجلاً غير رائث – غير بطيء ولا متأخر – نافعاً غير ضار.
الوجه الخامس:أنه ﷺ استسقى عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء وهي خارج باب المسجد الذي يدعى اليوم باب السلام نحو قذفة حجر ينعطف عن يمين الخارج من المسجد.
الوجه السادس:أنه ﷺ استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء فأصاب المسلمين العطش فشكوا إلى رسول الله ﷺ. وقال بعض المنافقين لو كان نبياً لاستسقى لقومه كما استسقى موسى لقومه فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال أوقد قالوها ؟ عسى ربكم أن يسقيكم ثم بسط يديه ودعا فما ردَّ يديه من دعائه حتى أظلهم السحاب وأمطروا فأفعم السيل الوادي فشرب الناس فارتووا ] زاد المعاد في هدي خير العباد 1/457-458.
وأكمل وجوه صلاة الاستسقاء هو الثاني قال الإمام النووي [ أفضلها وهو الاستسقاء بصلاة ركعتين ] المجموع 5/64.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي[ قال القاضي: الاستسقاء ثلاثة أضرب، أكملها الخروج والصلاة على ما وصفنا ويليه استسقاء الإمام يوم الجمعة على المنبر … والثالث أن يدعو الله تعالى عقيب صلواتهم وفي خلواتهم] المغني 2/327.
صفة صلاة الاستسقاء:
تكون صلاة الاستسقاء كصلاة العيد فيبدأ الإمام بالخطبة لما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (شكا الناس إلى رسول الله ﷺ قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوماً يخرجون فيه فكبر ﷺ وحمد الله عز وجل ثم قال إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم… ونزل فصلى ركعتين) رواه أبو داود وابن حبان.
وقال الإمام النووي [ وأما حديث عائشة فصحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح وقال هو إسناد جيد ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح علي شرط البخاري ومسلم ] المجموع 5/64..
ويصح أن تكون الخطبة بعد الصلاة أيضاً لما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:( خرج رسول الله ﷺ يوماً يستسقي فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا ودعا الله وحول وجهه نحو القبلة رافعاً يديه ثم قلب رداءه فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن) رواه أحمد وابن ماجة والبيهقي وقال رجاله ثقات.
وقال البوصيري إسناده صحيح.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي [… وأياً ما فعل من ذلك فهو جائز لأن الخطبة غير واجبة على الروايات كلها, فإن شاء فعلها وإن شاء تركها والأولى أن يخطب بعد الصلاة خطبة واحدة لتكون كالعيد ] المغني 2/ 322 ، وانظر الشرح الممتع 5/280-281.
تحويل الثياب في صلاة الاستسقاء:
أما تحويل الثياب فإنه يستحب قلب الرداء وتحويله تفاؤلاً بتحويل الحال من القحط إلى الرخاء ويحوّل الرجال فقط أرديتهم وهم جلوس فمثلاً من كان يلبس عباءة يقـلبها على ظهره بأن يجعل أعلاها أسفلها ونحو ذلك، ويكون تحويل الثياب أثناء الخطبة، لما ورد في الحديث عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه (أن النبي ﷺ خرج إلى المصلى فاستسقى فاستقبل القبلة وقلب رداءه وصلى ركعتين) رواه البخاري ومسلم.
وخلاصة الأمر: أن صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة وأن أكمل صفاتها أن يخرج الناس إلى مصلى العيد فيصلون ركعتين كصلاة العيد مع خطبة، فإن استسقى إمام الجمعة أثناء خطبة الجمعة فحسن، ولا أرى أن يصلي ركعتين بعد الجمعة ويقنت في الثانية بعد الركوع لأن هذه الصفة لم تنقل عن النبي ﷺ، ولم يقل بها أحد من العلماء فيما أعلم ،وإنما يكتفى بالدعاء في خطبة الجمعة.