ورد في كتاب نور اليقين في سيرة سيد المرسلين للشيخ الخضري-رحمه الله تعالى-:
أوصافا للنبي ـ ـ نذكر لك بعضا منها:
-منح الله نبينا ـ ـ من كمالات الدنيا والآخرة ما لم يمنحه غيره ممن قبله أو بعده ،

فأعلم أن خصال الجلال والكمال في البشر نوعان:

ضروري دنيوي اقتضته الجبلة وضرورة الحياة.

ومكتسب ديني، وهو ما يحمد فاعله ويقرب إلى الله زلفى.

فأما الضروري: فما ليس للمرء فيه اختيار ولا اكتساب مثل ما كان في جبلته عليه الصلاة والسلام من كمال الخلقة، وجمال الصورة، وقوة العقل، وصحة الفهم، وفصاحة اللسان، وقوة الحواس والأعضاء، واعتدال الحركة، وشرف النسب، وعزة القوم، وكرم الأرض، ويلحق به ما تدعو ضرورة الحياة إليه من الغذاء والنوم والملبس والمسكن والمال والجاه.

أما المكتسبة الأخروية: فسائر الأخلاق العليا والآداب من: الدين، والعلم، والحلم، والصبر، والشكر، والعدل، والزهد، والتواضع، والعفو، والعفة، والجودة، والشجاعة، والحياء، والمروءة، والصمت، والتؤدة، والوقار، والرحمة، وحسن الأدب، والمعاشرة.. وأخواتها، وهي التي يجمعها حسن الخلق.

فإذا نظر المسلم إلى خصال الكمال التي هي غير مكتسبة وفي جبلة الخلقة؛ وجدنا عليه الصلاة والسلام حائز لجميعها محيطًا بشتات محاسنها.
فأما الصورة وجمالها وتناسب أعضائه في حسنها قد جاءت الآثار الصحيحة والمشهورة الكثيرة بذلك .
-قال البراء بن عازب: ما رأيت من ذي لمة سوداء في حلة حمراء أحسن من رسول الله ـ ـ

-وقال أبو هريرة: ما رأيت شيئًا أحسن من رسول الله صلى الله ـ ـ كأن الشمس تجري في وجهه.

-وفي حديث ابن أبي هالة: يتلألأ وجهة تلألؤ القمر ليلة البدر. وقال على في آخر وصفه له: من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله ـ ـ.

(أما) نظافة جسمه وطيب ريحه وعرقه، ونزاهته عن الأقذار وعورات الجسد، فكان قد خصه الله تعالى في ذلك بخصائص لم توجد في غيره، ثم أتمها بنظافة الشرع، قال عليه الصلاة والسلام: “بنى الدين على النظافة” وقال أنس: ما شممت عنبرًا قط، ولا مسكًا ولا شيئًا أطيب من ريح رسول الله ـ ـ وعن جابر بن سمرة: إنه عليه الصلاة والسلام مسح خده، قال: فوجدت ليده بردًا وريحًا، كأنما أخرجها من جونة عطار. قال غيره: مسها بطيب أو لم يمسها، يصافح المصافح فيظل يومه يجد ريحها، ويضع يده على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان بريحها. وروى البخاري في تاريخه الكبير عن جابر: لم يكن النبي ـ ـ يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه من طيبه.

(وأما) وفور عقله ـ ـ، وذكاء لبه، وقوة حواسه، وفصاحة لسانه، واعتدال حركاته، وحسن شمائله، فلا مرية أنه كان أعقل الناس وأذكاهم. ومن تأمل تدبره أمر بواطن الخلق وظواهرهم، وسياسته للعامة والخاصة مع عجيب شمائله وبديع سيره، فضلاً عما أفاد من العلم وقرره من الشرع دون تعلم سبق ولا ممارسة تقدمت ولا مطالعة للكتب، لم يمتر في رجحان عقله، وثقوب فهمه لأول بديهة.

وكان عليه الصلاة والسلام إذا قام في الصلاة يرى من خلفه كما يرى من أمامه، وبذلك فسر قوله تعالى: (وتقلبك في الساجدين) [الشعراء: 219] وقالت عائشة: كان عليه الصلاة والسلام يرى في الظلمة كما يرى في الضوء، وجاءت الأخبار أنه صرع ركانة أشد أهل وقته، وكان دعاه إلى الإسلام.

وقال أبو هريرة: ما رأيت أحدًا أسرع من رسول الله ـ ـ في مشيه، كأنما الأرض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا وهو غير مكترث. وفي صفته عليه الصلاة والسلام أن ضحكه كان تبسمًا، إذا التفت التفت معًا، وإذا مشى مشى تقلعًا، كأنما ينحط من صبب.

(وأما) فصاحة اللسان، وبلاغة القول، فقد كان ـ ـ من ذلك بالمحل الأفضل، والموضع الذي لا يجهل، سلاسة طبع، وبراعة منزع، وإيجاز مقطع؛ ونصاعة لفظ، وجزالة قول، وصحة معان، وقلة تكلف، أوتي جوامع الكلم، وخص ببدائع الحكم، وعلم ألسنة العرب، فكان يخاطب كل أمة منها بلسانها، ويحاورها بلغتها، ويباريها في منزع بلاغتها، حتى كان كثيرا من أصحابه يسألونه في غير موطن عن شرح كلامه وتفسير قوله. من تأمل حديثه وسيره علم ذلك وتحققه، وليس كلامه مع قريش ككلامه مع غيرهم ؛بل يستعمل لكل قبيلة ما استحسنته من الألفاظ، وما انتهجته من طرق البلاغة، ليبين للناس ما نزل إليهم وليحدث الناس بما يعلمون.

(وأما) كلامه المعتاد، وفصاحته المعلومة، وجوامع كلمه، فقد ألف الناس فيها الدواوين، وجمعت في ألفاظها ومعانيها الكتب. ومنها ما لا يوازي فصاحة، ولا يباري بلاغة كقوله: “المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم”. وقوله: “المرء مع من أحب” و “الناس معادن” و قوله “أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين” و “إن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، الموطئون أكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون.
(وأما) شرف نسبه، وكرم بلده ومنشئه، فمما لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه، ولا بيان مشكل ولا خفي منه، فإنه نخبه بني هاشم، ونخبة قريش وصميمها، وأشرف العرب وأعزهم نفرًا من قبل أبيه وأمه، ومن أهل مكة أكرم بلاد الله على الله وعلى عباده.