ليس هناك زي يعرف بأنه الزي النبوي ، فقد كان النبي ـ   ـ يلبس ما تيسر له من الثياب، حتى كان يلبس القباطي وهي ثياب النصارى بمصر، وكان يلبس بردة يمنية، ويلبس ما يهديه إليه الناس ولو كانوا كفارا ، حتى إنه لبس ما فيه حرير قبل تحريم لبسه، ومخالفة زي البلد مخالف لمقتضى المروءة، فعلى المسلم أن يلبس ما يلبسه أهل بلده، وألا يشذ عنهم ، لأنه بذلك يدخل في محظور وهو لبس ثياب الشهرة.

جاء في فتاوى دار الإفتاء :
قد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: { يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُ المُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31] فجعل سبحانه وتعالى الخطاب في الآية عامًّا شاملا إلى بني آدم، ليشمل الرجال والنساء والمسلمين وغير المسلمين، آمرًا إياهم بالزينة، أي: بلبس الثياب للستر والزينة عند كل اجتماع يلتقي فيه بنو آدم، سواء أكان ذلك في مسجد، أم في مدرسة أم في جامعة أم في مكان العمل أم في غير ذلك.

    -فالآية الكريمة قد قررت أصلا من أصول الإصلاحات الدينية والاجتماعية، يدل لهذا ما ذكره المفسرون في أسباب نزولها من أن العرب كانوا يطوفون حول البيت متجردين من الثياب، رجالا ونساء على حد سواء، وهذا الأمر قد كان سائدًا في كثير من أمم الأرض، بل إنه مازال إلى اليوم في بعض البلاد التي لم يدخلها الإسلام.
    -فلم تحدد الآية نوع الثياب ولا هيئته؛ ولا التقيد بالزي النبوي ومخالفة غيره لأن الإسلام يشرع أصولا صالحة لكل زمان ومكان، فالأمر العام أن يأخذ الإنسان زينته عند كل اجتماع مع الغير حسب وسعه وقدرته، وفى نطاق عرف زمنه، وعادات قومه. ومن أجل هذا لم يكن للرسول لباس خاص لا يتعداه إلى غيره، فلم يتقيد بهيئة في اللباس، حتى لا يضيق على الناس.

    -وقد نقلت كتب السنة أنه كان يلبس الضيق من الثياب والواسع منها، وكذلك الصحابة والتابعون، ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن أحد من أصحابه أو التابعين صفة أو هيئة خاصة للثياب سواء أكان للرجال أم للنساء.
    وقد ترك الشرع بيان هيئة الثياب وطريقة إحاطتها بالجسد وتفاصيلها؛ لاعتبارها من الأمور الدنيوية تعرف بالضرورات والتجارب والعادات، وقد رأى الإمام أحمد رجلا لابسًا بردا مخططًا بياضًا وسوادًا، فقال: ضع هذا، والبس لباس أهل بلدك، وقال: ليس هو بحرام، ولو كنت بمكة، أو المدينة لم أعب عليك.
    فإن ما اصطلح عليه الناس من نوع وهيئة للزى ما دام في الإطار العام للقاعدة الكلية للثوب الشرعي بكونه لا يصف ولا يشف ولا يكشف، وليس من لباس الشهرة- فهو مباح.

    -ومراعاة زي الزمان مِن المروءة ما لم يكن إثمًا، وفي مُخالفة الزِّي ضَرْب مِن الشهرة.فلا ينبغي للمسلم أن يتميَّز عن غيره من أهل زمانه في اللباس والعادات الشكلية مما يدخله في الشهرة والانعزال.
    وقد ورد الذم في لبس ثياب الشهرة فيما ورد عن ابن عمر عن النبي قال: “مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللهُ يومَ القِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ.
    وعنه في رواية أن النبي قال: “مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ، ثم تلهب فيه النار”. وعن أبي ذر عن النبي قال: “مَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ حَتَّى يَضَعَهُ مَتَى وَضَعَهُ”.

    فالأحاديث تدل على تحريم لُبْس ثوب الشهرة، وليست هذه الأحاديث مختصة بنفيس الثياب، بل قد يحصل ذلك لمن يلبس ثوبا يُخالف ملبوس الناس، فيعاب ذلك عليه؛ لخروجه عن عادة مثله.
    وقد روي أن الرسول نهى عن الشهرتين، أن يلبس الثياب الحسنة التي ينظر إليه فيها أو الدنية أو الرثة التي ينظر إليه فيها.
    قال الشوكاني: ” وإذا كان اللبس لقصد الاشتهار في الناس فلا فرق بين رفيع الثياب، ووضيعها، والموافق لملبوس الناس والمخالف؛ لأن التحريم يدور مع الاشتهار، والمعتبر القصد وإن لم يطابق الواقع”.
    وهدي نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام في اللباس أن يلبس ما تيسَّر من لباس أهل بلده وأن يوافق عاداتهم في اللباس.
    ولما سئل مالك عن لباس الصوف الغليظ قال: “لا خير في الشهرة، ولو كان يلبسه تارة ويتركه تارة لرجوت، ولا أحب المواظبة عليه حتى يشتهر”.
    قال ابن تيمية – رحمه الله -: ” فسنته في ذلك – أي: في شأن تنوع لباسه – تقتضي أن يلبس الرجل، ويطعم مما يسَّره اللهُ ببلده من الطعام واللباس، وهذا يتنوع بتنوع الأمصار”.

    وقال أبو الوليد الباجي: ” كَرِهَ النبيُّ لباسَ غير المعتاد، وما يَشْتَهِرُ به لابِسُهُ مِن دُونِ الملبس، كما كَرِهَ ما يُشْهَرُ به صاحبُهُ في رِفْعَتِهِ “.
    وقال الشيخ عبد القادر الجيلاني: “من اللباس المنزه عنه: كل لبسة يكون بها مشتهرا بين الناس، كالخروج عن عادة بلده وعشيرته، فينبغي أن يلبس ما يلبسون؛ لئلا يشار إليه بالأصابع، ويكون ذلك سببا إلى حملهم على غيبته فيشركهم في إثم الغيبة له”.
    وقال ابن عبد البر: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: ” من لبس ثوب شهرة أعرض الله عنه، وإن كان وليًّا. وقال أيضًا: “كان يقال: كل من الطعام ما اشتهيت، والبس من الثياب ما اشتهى الناس “.

    وكان النبي يلبس العمامة، ويمسك بالعصا وغير ذلك من الأمور التي كانت يلبسها ويستخدمها الناس في ذلك الوقت من أمور العادة، فالعمائم مثلا قد اختلفت الأعراف فيها وتغيَّرت الأمور في لبسها، فلبسها جائز ما لم يخالف عادة بلد لابسها، فإن خالف العادة صار لباس شهرة، فلو لبس العمامة رجل يعيش في قوم لا يلبسونها لصار شهرة يشار إليه بالأصابع ولبسها لم يكن من السنة.
    روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن عباد بن العوام عن الحصين قال: ” كان زبيد اليامي يلبس برنسًا، قال: فسمعت إبراهيم عابه عليه، قال: فقلت له: إن الناس كانوا يلبسونها، قال: أجل، ولكن قد فني مَن كان يلبسها، فإن لبسها أحد اليوم شهروه، وأشاروا إليه بالأصابع”.
    ومن ثم فإن ما يتمسك به بعض العامة من اللباس على غير عادة أهل بلدهم، مدعين أنه من السنة الواجب الأخذ بها- لا يجوز، ولعل سبب وقوعهم في هذا الخطأ من إلزام الناس بما لا يلزم استخدام مصطلح السنة في غير محله من العادات الشكلية وخلطهم بين معنى السنة عند المحدثين وعند الفقهاء والأصوليين.
    فالسنة في اصطلاح الأصوليين أصل من أصول الأحكام الشرعية، ودليل من أدلتها يلي الكتاب في الرتبة، فإنهم عرفوها بأنها: “ما صدر عن النبي من غير القرآن من فعل أو قول أو تقرير”.
    وتطلق عند الفقهاء على ما يقابل الواجب والمباح وغيرهما، فالسنة عندهم حكم أُخِذ من الدليل، فهي ما يثاب على فعله ولا يعاقب على تركه، فهي ترادف: المندوب، والمستحب، والتطوع، والطاعة، والنفل، والقربة، والمرغب فيه، والفضيلة.
    وتطلق عند المحدثين على ما أثر عن النبي من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خِلقية أو خُلقية، سواء أكان قبل البعثة أم بعدها.
    -فالمحدثون توسعوا في إطلاق السنة؛ وذلك لأنهم لا يقصرونها على إفادة حكم شرعي، وإنما غرضهم هو بيان أن رسول الله هو الهادي لنا، والذي أخبر الله عنه أنه أسوة لنا وقدوة، فنقلوا كل ما يتصل به من سيرة وخلق، وشمائل وأخبار، وأقوال وأفعال، سواء أكان مثبتًا حكمًا شرعيًّا أم لا، بخلاف الأصوليين، فإنهم يبحثون عن السنة التي فيها استدلال على حكم شرعي . فهؤلاء العامة يضعون مراد المحدثين من معنى السنة في وصف النبي من حيث هيئته ولباسه موضع السنة في اصطلاح الفقهاء من الاستحباب والندب، وهو خلط بيِّن.

    وعلى ما تقدم من الأدلة وأقوال العلماء المعتبرة في ذلك نرى أنه لا ينبغي للمسلم أن يشذ عن أهل بلده بثياب، طالما أن ثياب أهل بلده لا تخالف الشرع، ولا يعد كون هذه الثياب في العهد النبوي مبررًا لارتداء الملابس الشاذة عن أهل البلد.
المصدر: قسم الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية .