يقول النبي -ﷺ- : “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض.” وهو حديث صحيح.
والخطبة إذا تمت، فإنه يكره العدول عنها وفسخها إلا لضرورة اقتضت العدول عنها، فإن كانت هناك ضرورة لهذا الفسخ جاز ذلك بلا كراهة، لأن للمرأة ولوليها أو للخاطب أن يحتاط في مثل هذه الأمور الكبيرة.
أما العدول عنها بلا سبب شرعي فيكره ،لأنه من شيم المسلمين أنهم يفوا بوعودهم، إلا إذا كان هناك سبب شرعي اقتضى عدم اتمام الأمر كأن وجدت الفتاة في نفسها نفورًا من الرجل، أو وجد الرجل نفسه نفورا من المرأة.فهنا قد أعطى الشرع لكل من الرجل والمرأة العدول عن الخطبة. وربما اطلع أحد الطرفين على أشياء لم يطلع عليها من قبل هذه الأشياء قد غيرت رأيه وصرفته عن التفكير في الزواج.
والعدول عن الخطبة إذا تبين الشقاق بين الطرفين وفسخها أفضل من الاستمرار فيها، ثم بعد ذلك تكبر هذه المشاكل ويحدث الطلاق، فالعدول في الخطبة أولى، ولا يسمى هذا العدول غدرا مادام له أسبابه الشرعية التي اقتضته.
ولكن لا ينبغي للخاطب ولا المخطوبة أو وليها فسخ الخطبة بغير مبرر شرعي، لما في ذلك من الأذى اللاحق للطرف الآخر، والمسلم لا يؤذي أخاه.
والوالد لا يجبر ابنته على الزواج إذا هي كرهته، ولكن بإمكانه أن ينصحها وأن يبين لها حقائق الأمور وطبائع الأشياء، فهذه مهمته كولي شرعي، أما الإجبار فلا.
وللفتاة أن تتراجع بعد الخطوبة إذا بدا لها من الأسباب القاضية بمنع الاستمرار، وإن هي رفضت الخطبة دون سبب وجيه يبدو للأب فعلى الأب أن ينزل على رغبتها، لأنَّه لو أجبرها يكون قد غمط حقها في رضائها في أمر زواجها، وهو بهذا الإكراه سيبدأ معها حياة مبدوءة بالكدر والمشاكل، فخروجا من هذا كله نقول للأب انصح الفتاة بقدر ما أوتيت من طاقة، ثم بعد ذلك انزل على رأيها أيا كان.
وفي المغني لابن قدامة ما نصه :
ولا يكره للولي الرجوع عن الإجابة في الخطبة، إذا رأى المصلحة لها في ذلك؛ لأن الحق لها، وهو نائب عنها في النظر لها، فلم يكره له الرجوع الذي رأى المصلحة فيه، كما لو ساوم في بيع دارها، ثم تبين له المصلحة في تركها. ولا يكره لها أيضا الرجوع إذا كرهت الخاطب؛ لأنه عقد عمر يدوم الضرر فيه، فكان لها الاحتياط لنفسها، والنظر في حظها.
وإن رجعا عن ذلك لغير غرض، كره؛ لما فيه من إخلاف الوعد، والرجوع عن القول ، ولم يحرم؛ لأن الحق بعد لم يلزمهما، كمن ساوم بسلعته، ثم بدا له أن لا يبيعها. أ هـ
ويقول فضيلة الشيخ سيد سابق -رحمه الله- في كتابه فقه السنة :
إن الخطبة مجرد وعد بالزواج، وليست عقدًا ملزمًا، والعدول عن إنجازه حق من الحقوق التي يملكها كل من المتواعدين.
ولم يجعل الشارع لإخلاف الوعد عقوبة مادية يجازي بمقتضاها المخلف، وإن عد ذلك خلقا ذميما، ووصفه بأنه من صفات المنافقين، إلا إذا كانت هناك ضرورة ملزمة تقتضي عدم الوفاء.
ففي الصحيح عن رسول الله -ﷺ- أنه قال : (آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب،وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان).
ولما حضرت الوفاة عبد الله بن عمر قال: انظروا فلانا لرجل من قريش، فإني قلت له في ابنتي قولا يشبه العدة (يعني ما يشبه الوعد وليس بوعد)، وما أحب أن ألقى الله بثلث النفاق ،وأشهدكم أني قد زوجته. أهـ