شهر رجب أحد الأشهر الحرم التي يحرم فيها الظلم والبغي، يقول الله تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم} [التوبة: 36]. ومعلوم في حديث صحيح مسلم، أن عثمان بن حكيم الأنصاري قال: « سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب، ونحن يومئذ في رجب، فقال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: كان رسول الله يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر”، فهل يدخل صيام شهر رجب في عموم هذا الحديث لمن يرغب في التطوع بالصيام؟

ما هو شهر رجب؟

وشهر رجب كما تقدم من الأشهر الحرم، جاء الحديث الشريف في الصحيحين بتحديده، وذلك من حديث أبي بكرة أن النبي خطب في حجة الوداع فقال في خطبته: ” إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان”.. وذكر الحديث قال الله عز وجل: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36].

قال ابن رجب: فأخبر سبحانه أنه منذ خلق السماوات والأرض وخلق الليل والنهار يدوران في الفلك، وخلق ما في السماء من الشمس والقمر والنجوم، وجعل الشمس والقمر يسبحان في الفلك وينشأ منهما ظلمة الليل وبياض النهار، فمن حينئذ جعل السنة اثني عشر شهرا بحسب الهلال، فالسنة في الشرع مقدرة بسير القمر وطلوعه، لا بسير الشمس وانتقالها كما يفعله أهل الكتاب.

قال في الغنية: سبب نزول الآية الكريمة {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم} [التوبة: 36] أن المؤمنين ساروا من المدينة إلى مكة قبل أن يفتح اللهُ على النبيِّ ، فقالوا: إنا نخاف أن يُقاتِلنا كُفّار مكة في الشهر الحرام. فأنزل الله عز وجل: {إن عدة الشهور عند الله}، أي في اللوح المحفوظ {يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم} يعني من العدة حرم، وهي ‌رجب، وذا القعدة، وذا الحجة، والمحرم، واحد فرد وهو ‌رجب وثلاثة سرد متتابعة {ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم} [التوبة: 36] وخص الله تعالى بالنهي هذه الأربعة الأشهر ليبين لنا تمييزها بعظم حرمتها وتأكيد أمرها بالنهي عن الظلم فيها على غيرها من الشهور، وإن كان الظلم منهيًا عنه في سائر الشهور.

الأشهر الحرم وأحكامها

والآية الكريمة {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم} [التوبة: 36] جاء لإبطال عادة العرب الجاهلية، كانوا إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أَحلوه واستمروا في القتال، وحرموا شهرا آخر مكانه، حتى رفضوا خصوص الأَشهر الأَربعة، واعتبروا مجرد العدد زادوا في عدد الشهور، بأَن يجعلوها ثلاثة عشر أَو أَربعة عشر، ليتسع لهم الوقت ويجعلوا أَربعة أَشهر من السنة حرما كما يريدون، ولذلك نص على العدد المعين في كتاب الله حتى يتركوا ما هم عليه.
ونزلت الآية الكريمة ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [التوبة: 37].

وذكر ابن رجب حالات العرب في النسيء، واختلاف المفسرين في تحديد حقيقة النسيء وفق ما جاء به النص:

1- قالت طائفة: كانوا يبدلون بعض الأشهر الحرم بغيرها من الأشهر فيحرمونها بدلها ويحلون ما أرادوا تحليله من الأشهر الحرم إذا احتاجوا إلى ذلك، ولكن لا يزيدون في عدد الأشهر الهلالية شيئا. وبناء على هذا القول كانوا يحلون المحرم فيستحلون القتال فيه لطول مدة التحريم عليهم بتوالي ثلاثة أشهر محرمة ثم يحرمون صفر مكانه فكأنهم يقترضونه ثم يوفونه.

2- وقالت طائفة: كانوا يحلون المحرم مع صفر من عام ويسمونها صفرين ثم يحرمونهما من عام قابل ويسمونهما محرمين قاله ابن زيد بن أسلم . وقيل: بل كانوا ربما احتاجوا إلى صفر أيضا فأحلوه وجعلوا مكانه ربيعا ثم يدور كذلك التحريم والتحليل والتأخير إلى أن جاء الإسلام ووافق حجة الوداع صار رجوع التحريم إلى محرم الحقيقي وهذا هو الذي رجحه أبو عبيدة وعلى هذا فالتغير إنما وقع في عين الأشهر الحرم خاصة

3- وقالت طائفة أخرى: بل كانوا يزيدون في عدد شهور السنة.

قال ابن رجب: وظاهر الآية يشعر بذلك حيث قال الله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً} [التوبة: 36] فذكر هذا توطئة لهدم النسيء وإبطاله ثم من هؤلاء من قال: كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشر شهرا قاله مجاهد وأبو مالك.

قال أبو مالك: كانوا يجعلون السنة ثلاثة عشر شهرا ويجعلون المحرم صفرا.

وقال مجاهد: كانوا يسقطون المحرم ثم يقولون: صفرين لصفر وربيع الأول وربيع الآخر ثم يقولون: شهرا ربيع ثم يقولون: لرمضان شعبان ولشوال رمضان ولذي القعدة شوال ولذي الحجة ذو القعدة على وجه ما ابتدأوا وللمحرم ذو الحجة فيعدون ما ناسؤا على مستقبله على وجه ما ابتدأوا.

رجب مضر بين جمادى وشعبان

وبسبب هذا التصرف الخاطئ من العرب الجاهلية جاء تحديد شهر رجب أحد الأشهر الحرم باسم رجب مضر لرفع الالتباس الحاصل من هذا التصرف. ففي رواية البخاري: “.. السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر، الذي بين جمادى وشعبان”.

قال في الغنية: شهر رجب سمي رجب مضر، ومنصل الأسنة، وشهر الله الأصم، وشهر الله الأصب، والشهر المطهر، والشهر السابق، والشهر الفرد.

ثم قال: وإنما عرف موضعه بقوله: بين جمادى وشعبان، إبطالًا للنسيء الذي كانت العرب تفعله في الجاهلية، وهو قوله عز وجل: {إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا} [التوبة: 37] وذلك أن العرب في الجاهلية كانت إذا أرادت الصدر من منى قام رجل من بني كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة، وكان رئيس القوم، فيقول: أنا الذي أجاب ولا أعاب ولا يرد لي قضاء، فيقولون له: صدقت، أنسئنا شهرًا، يريدون: أخر عنا حرمة المحرم واجعلها في صفر، وأحل لنا المحرم.
وإنما دعاهم إلى ذلك لئلا تتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا يغيرون فيها، وقد كان معاشهم من الإغارة، فيفعل ذلك عامًا، ثم يرجع إلى تحريم المحرم، وإباحة صفر، فذلك الإنساء” ومنه قيل: نسأ الله في أجله، وأنسأ الله أجله.

فوصف النبي رجب بصفتين وقيده بنعتين:
أحدهما قوله: “رجب مضر” لأن مضر كانت تبالغ في تعظيمه وتكبيره وتحريمه.
الثاني: أنه قيده بقوله بين جمادى وشعبان خوفًا من التقديم والتأخير كما جرى في تحريم المحرم إلى صفر، فخص الشهر وقيده، وأيد تحريمه وأكده.

تخصيص رجب بالعبادات

لم يصح في فضل صيام شهر رجب على وجه الخصوص دليل من كتاب أو سنة، والأحاديث التي وردت في فضل إفراد شهر رجب بالصيام لا يسلم من الضعف. بل جاء من الآثار ما ينهى عن تخصيص هذا الشهر وإفراده بين الأشهر بالصيام سواء صيام جميع أيامه أو بعضها.

قال الحسن: ليس في الإسلام عتيرة إنما كانت العتيرة في الجاهلية كان أحدهم يصوم رجب ويعتر فيه ويشبه الذبح في رجب اتخاذه موسما وعيدا كأكل الحلوى ونحوها.

وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يكره أن يتخذ رجب عيدا.

قال ابن رجب: وأصل هذا: أنه لا يشرع أن يتخذ المسلمون عيدا إلا ما جاءت الشريعة باتخاذه عيدا وهو يوم الفطر ويوم الأضحى وأيام التشريق وهي أعياد العام ويوم الجمعة وهو عيد الأسبوع وما عدا ذلك فاتخاذه عيدا وموسما بدعة لا أصل له في الشريعة. [لطائف المعارف].

حيث كان العرب في الجاهلية يتخذون شهر رجب عيدا يقدمون فيه ذبيحة مبالغة في تعظيم هذا الشهر، ويسمونه عتيرة، أي الرجبية، ثم جاء النهي عنه في الإسلام، ففي الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (لَا فَرَعَ وَلَا ‌عَتِيرَةَ).

والفرع هو أول النتاج من الإبل كانوا يذبحونه لآلهتهم وهي طواغيتهم. كذا جاء هذا التفسير في صحيح البخاري وسنن أبي داود. وقيل: هو أول النتاج لمن بلغت إبله مائة، يذبحونه.

والعتيرة ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الأول من ‌رجب، ويسمونها الرجبية أيضا. واتفق العلماء على تفسير العتيرة بهذا. ومعنى الحديث: لا فرع واجب ولا ‌عتيرة واجبة.

العبادات المشروعة في شهر رجب

وبناء على ما سبق لا يثبت دليل خاص على إفراد شهر رجب بالصيام، وهذا الشهر إنما هو كغيره من سائر الشهور ، يسن فيه من النوافل ما يسن فيما سواه من الشهور عدا شهر رمضان الذي يجب صيام كامل أيامه. وإن كان الصيام في بعض هذه الشهور أوكد من بعض، وتتأكد المشروعية في بعض هذه الأيام حتى يصير الصيام سنة وهديا ثابتا عن رسول الله .

صيام الاثنين والخميس

من ذلك صيام الاثنين والخميس، فصيام أثانين وأخمسة السنة كلها – ومنها شهر رجب- سنة ثابتة عن رسول الله ـ ـ ، وإن كان صيام الاثنين أثبت من يوم الخميس ما لم يقصد الصائم بصيامه إياها تعظيم شهر رجب.

فعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله سئل عن صوم الاثنين فقال: ( فيه ولدتُ ، وفيه أُنزل عليَّ ) رواه مسلم .

وعن عائشة رضي الله عنه قالت : ( كان النبي يتحرَّى صوم الاثنين والخميس) رواه الترمذي ، وغيره، وصححه الشيخ  الألباني .

صيام الأيام البيض

ومن ذلك صيام الأيام البيض من كل شهر، فعن أبي أبا ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله : ( إذا صمتَ شيئا من الشهر فصم ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة) رواه الترمذي وغيره، وصححه الشيخ الألباني).

بل أصل صيام ثلاثة أيام من كل شهر سنة ثابتة  سواء أكانت من أول الشهر أو من وسطه ، أو من آخره، فعن معاذة العدوية أنها سألت عائشة زوج النبي : أكان رسول الله يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ؟ قالت : نعم . فقلت لها : من أي أيام الشهر كان يصوم ؟ قالت : لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم. رواه مسلم .

صيام يوم وإفطار يوم

ومن ذلك صيام يوم ، وإفطار يوم، ففي صحيحي البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله قال( أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام وأحب الصيام إلى الله صيام داود وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يوما ويفطر يوما.

فصيام هذه المواضع سُنةٌ من كل شهرٍ، سواء في ذلك رجب وغيره إلا في المواضع التي ذكرنا  النهي عن التطوع فيها.

وسواء في ذلك الصيام لمن كانت له في ذلك عادة أو لمن لم تكن له عادة، أو تطوع بهذا الصيام بنية تدريب نفسه على الصيام بين يدي شهر رمضان.

حكم  صيام شهر رجب

تقدم أن إفراد شهر رجب بالصيام بسبب ما ثبت له من الفضائل لا يثبت فيه دليل صحيح خاص، ولو صح حديث ( صم من الحرم واترك ) لكان حاسما لكل نزاع، وكان كافيا في إثبات فضل الصيام في شهر رجب كواحد من الأشهر الحرم، ولكن الحديث ضعيف، رواه أبو داود وغيره من حديث المجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها، والحديث فيه اضطراب يوجب تضعيفه، وقد أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر، وصرح الشيخ الألباني فيه بالتضعيف.

تحذير من البدع المرتبطة بشهر رجب

ولذلك قال الإمام ابن القيم :ولم يصم الثلاثة الأشهر سردا ( أي رجب وشعبان ورمضان ) كما يفعله بعض الناس ولا صام رجبا قط ولا استحب صيامه .

وقال الحافظ ابن حجر في تبين العجب بما ورد في فضل رجب : لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معيّن ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ وكذلك رويناه عن غيره .انتهى.

وفي صحيح مسلم أن عثمان بن حكيم الأنصاري قال: ” سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب ؟ ونحن يومئذ في رجب فقال سمعت ابن عباس رضي الله عنها يقول كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم

قال الإمام النووي :- الظاهر أن مراد سعيد بن جبير بهذا الاستدلال أنه لا نهي عنه ولا ندب فيه لعينه، بل له حكم باقي الشهور، ولم يثبت في صوم رجب نعي ولا ندب لعينه، ولكن أصل الصوم مندوب إليه. انتهى.

وعلى ذلك فالصيام في شهر رجب مشروع فيه كله  كغيره من الشهور، وبعضه أوكد من بعض، كأيام الاثنين والخميس فيه، وكأيام البيض منه،  إلا أن الصيام فيه ليس بأفضل مما في غيره من الشهور، فليس للصيام فيه فضل على غيره.

ومن صامه معظما إياه، أو اعتقد أن صيامه أفضل من غيره كان مبتدعا ، معظما له من عند نفسه ، دون أن يكون له سند في ذلك من كتاب أو سنة.

ولذلك فإن سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- كان ينهى عن صيام رجب لما فيه من التشبه بالجاهلية كما ورد عن خرشة بن الحر قال : رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام ويقول : كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية . [صححه الشيخ الألباني في الإرواء].


ما حكم صيام يوم السابع والعشرين من شهر رجب؟

شهر رجب أحد الأشهر الحرم الأربعة، وقبل ذلك فهو من شهور السنة لذلك لما سأل عثمان بن حكيم سعيد بن جبير عن صوم رجب ونحن يومئذ في رجب، فقال: سمعت ابن عباس رضي الله عنه يقول: كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم. رواه الأربعة.
أما بخصوص صيام شهر رجب فقد قال العلماء: ولم يثبت في صيام رجب حديث يحتج به غير أنه من أشهر الحرم.
وفي «مصنف عبد الرزاق» (4/ 292) بإسنادٍ صحيحٍ عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان ينهى ‌عن ‌صيام ‌رجب ‌كله؛ لئلا يتخذ عيدًا.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله كما في «مجموع الفتاوى» (25/ 291): وأما صوم ‌رجب بخصوصه؛ فأحاديثه كلها ضعيفة بل موضوعة، لا يعتمد أهل العلم على شيء منها، وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات، وأكثر ما روي في ذلك: أن النبي كان إذا دخل ‌رجب يقول: «اللهم بارك لنا في ‌رجب وشعبان وبلغنا رمضان».
وأما تخصيص يوم معين من رجب بالصيام مثل صيام السابع والعشرين، باعتبار مناسبة يوم الإسراء والمعراج والاحتفال بها فإن ذلك من البدع، وكذلك الاحتفال بهذه المناسبة أي مناسبة الإسراء والمعراج فهذه كلها أمور محدثة، لم تثبت عن النبي ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم.

خلاصة حكم صيام شهر رجب

  • الصيام في شهر رجب مشروع كغيره من الشهور، لكنه لا يُخص بفضل خاص.
  • إفراد رجب بالصيام مع اعتقاد فضله دون دليل يُعد بدعة.
  • يُستحب فيه صيام الأيام المشروعة مثل: الإثنين والخميس، الأيام البيض، وصيام يوم وإفطار يوم.

قال الإمام النووي:

“الصيام في رجب ليس له فضل خاص لذاته، لكن أصل الصيام مندوب إليه في كل وقت”.

هل يجوز صيام أول رجب؟

إفراد يوم واحد من شهر رجب بالصيام لاعتقاد فضله فهو بدعة في الدين لا دليل عليه من السنة الصحيحة. أما لو نوى صيام بعض أيامه عملا بعموم الترغيب بصيام الأشهر الحرم فهنا الأمر يختلف.
أما من حيث العموم فالأحاديث الواردة في الترغيب في صوم الأشهر الحرم، وشهر رجب منها، وكذلك الأحاديث الواردة في مشروعية مطلق الصوم، فيكون صوم أول شهر رجب من هذا الباب جائز.

أما تخصيص اليوم الأول من شهر رجب لاعتقاده فضله وخصوصيته فهذا مردود لأن ذلك يحتاج إلى دليل يثبت، فحكم عليه بالرد والبدعة لأنه لا دليل.
قال الشوكاني في نيل الأوطار: “وحكى ابن السبكي عن محمد بن منصور السمعاني 
أنه قال: لم يرد في استحباب صوم رجب على الخصوص سنة ثابتة، والأحاديث التي تروى فيه واهية لا يفرح بها عالم، وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه أن عمر كان يضرب أكف الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان، ويقول: كلوا، فإنما هو شهر كان تعظمه الجاهلية… ولا يخفاك أن الخصوصات إذا لم تنتهض للدلالة على استحباب صومه انتهضت العمومات، ولم يرد ما يدلّ على الكراهة حتى يكون مخصصًا لها.”.

قال المناوي: “نهى ‌عن ‌صيام ‌رجب ‌كله” أخذ به الحنابلة فقالوا: يكره إفراده بالصوم قال في الإنصاف: وهو من مفردات المذهب وهل الإفراد المكروه أن يصومه كله ولا يقرن به شهرا آخر؟ وجهان عندهم واحتج من كرهه بأن المفسدة تنشأ من تخصيص ما لا خصيصة له كما أشعر به لفظ الرسول في عدة أخبار فإن نفس الفعل المنهي عنه والمأمور به قد يشتمل على حكمة الأمر والنهي فالفساد ناشئ من جهة الاختصاص فإذا كان يوم الجمعة أو ‌رجب يوما أو شهرا فاضلا يسن فيه الصلاة والدعاء والذكر والقراءة ما لا يسن في غيره كان ذلك في مظنة أن يتوهم أن صومه أفضل من غيره فنهى عن تخصيصه دفعا لهذه المفسدة اه. أما صوم بعضه فلا يكره اتفاقا قال المؤلف: ويسن فطر بعضه خروجا من الخلاف.