يجوز بناء الحمامات العامة ، وذلك للحاجة إليها ، وقد منع من بنائها بعض الفقهاء ، وقد حمل العلماء كلامهم على البيئة التي عاشوا فيها فلم تكن هناك حاجة لوجود حمامات..
يقول الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي :
تعرض الفقهاء لقضية بناء الحمامات العامة وحكم بيعها وشرائها وكرائها .
جاء في كتاب (الشرح الكبير) : بناء الحمام وكراؤه، وبيعه وشراؤه: مكروه عند أبي عبد الله. فإنه قال في الذي يبني حماما للنساء: ليس بعدل. وإنما كرهه لما فيه من كشف العورة، والنظر إليها، ودخول النساء إليه .
وعلق ابن تيمية على كلام أحمد ووجهه توجيها حسنا، فقال: قد كتبت في غير هذا الموضع: أنه لا بد من تقييد ذلك بما إذا لم يحتج إليها. فأقول هنا: إن جوابات أحمد ونصوصه، إما أن تكون مقيدة في نفسه، بأن يكون خرّج كلامه على الحمامات التي يعهدها في العراق والحجاز واليمن، وهي جمهور البلاد التي زارها. وهذه البلاد المذكورة الغالب عليها الحر، وأهلها لا يحتاجون إلى الحمام غالبا؛ ولهذا لم يكن بأرض الحجاز حمام على عهد رسول الله ﷺ؛ وخلفائه. ولم يدخل النبي ﷺ حماما، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان. والحديث الذي يروى: أن النبي ﷺ دخل الحمام: موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث. ولكنْ عليّ لما قدم العراق كان بها حمامات، وقد دخل الحمام غير واحد من الصحابة، وبني بالجحفة حمام دخلها ابن عباس وهو محرم .
وإما أن يكون جواب أحمد كان مطلقا في نفسه، وصورة الحاجة لم يستشعرها نفيا، ولا إثباتا، فلا يكون جوابه متناولا لها، فلا يحكى عنه فيها كراهة .
وإما أن يكون قصد بجوابه: المنع العام عند الحاجة وعدمها، وهذا أبعد المحامل الثلاثة أن يحمل عليه كلامه، فإن أصوله وسائر نصوصه في نظائر ذلك تأبى ذلك، وهو أيضا مخالف لأصول الشريعة، وقد نقل عنه أنه لما مرض وصف له الحمام .
وكان أبو عبد الله لا يدخل الحمام اقتداء بابن عمر، فإنه كان لا يدخلها، ويقول: هي من رقيق العيش، وهذا ممكن في أرض يستغني أهلها عن الحمام، كما يمكن الاستغناء عن الفراء والحشايا في مثل تلك البلاد .
وقد تكلم ابن تيمية هنا عن جواز بناء الحمام إذا وجدت حاجة إليه، ولم يترتب عليه محظور، وبين أنه لا ريب في الجواز هنا: مثل أن يبني الرجل لنفسه وأهله حماما في البلاد الباردة، ولا يفعل فيها ما نهى الله عنه .
ومثل ذلك : أن يقدر على بناء حمامات عامة، في بلاد باردة، وصيانتها عن كل محظور، فإن البناء والبيع والكراء هنا بمنزلة دخول الرجل إلى الحمام الخاصة، أو المشتركة مع غض بصره، وحفظ فرجه، وقيامه بما يجب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا لا ريب في جوازه، وقد دخلها غير واحد من الصحابة .
وأحاديث الرخصة فيها مشهورة. حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، عن النبي ﷺ أنه قال: “الأرض كلها مسجد إلا المقبُرة والحمام” وعلى هذا اعتمدوا في الصلاة في الحمام. وقد أرسله طائفة، وأسنده آخرون، كاستثنائه المقبرة، في كونها مسجدا: دليل على إقرارها في الأرض، وأنه لا ينهى عن الانتفاع بها مطلقا. اهـ .