للدماء في الشريعة الإسلامية حرمة عظيمة ، فقد اشتد غضب الله تعالى على كل من اجترأ عليها دون وجه حق ، وتوعده بالويل والثبور ، وقد شرع الله عقوبة القصاص في الدنيا صيانة لهذه الدماء ،كما شرع الله حد الحرابة صيانة للمجتمع بأسره ممن يخرجون عن النظام و يعيثون في الأرض فسادا ، فدم المسلم لا يباح في الشريعة الإسلامية إلا بإحدى ثلاث الزنا بعد الإحصان ، والردة بعد الإسلام ، والقتل العمد ،أما وراء ذلك فلا .
ولم تقف العلاقة بين المسلمين على تحريم العدوان والإثم بينهم فحسب بل حث الله المسلمين على التعاون المثمر ، فالمسلم أخو المسلم ، وهل يقتل الأخ أخاه ، ومن نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، وهكذا تكون علاقة الإخاء هي العلاقة الشائعة بين المسلمين .
و إن حدث اختلاف ـ والاختلاف وارد بطبيعة النفس البشرية ـ فيجب ألا يكون الاحتكام فيه إلى القتال ، لأن هذا مما لم يأمر الله به ، بل الذي على المسلمين فعله حال الاختلاف أن يحكموا بينهم كتاب الله و سنة نبيه ،( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله) .
يقول فضيلة الأستاذ الدكتور الحسيني أبو فرحة الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف :
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت النبي ـ ﷺ ـ يطوف بالكعبة وهو يقول: ” ما أطيبك وأطيب ريحك، وما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله تعالى حرمة منك، ماله ودمه وأن يظن به إلا خيرًا، رواه ابن ماجة.
وقال ﷺ “المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام.. عرضه وماله ودمه، التقوى هاهنا، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم” رواه الترمذي وحسنه.
ومال المسلم لا يكون أعظم حرمة عند الله تعالى من الكعبة، وهو الذي يعرف لله حقه ويؤدي له فرضه، ومن هنا حرًّم الله عز وجل عرضه ومال ودمه.
فعرض المسلم مصون لا يمس قد شرع الله عز وجل ذلك، حتى حرّم النظرة الفاجرة، وأمر بغض الأبصار صيانة للأعراض.
قال عز من قائل: ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضرين بخمورهن على جيوبهن)
وحرًّم الله عز وجل مال المسلم أن يُعتدى عليه، فالمال شقيق الروح، والاعتداء على الأموال مقدمة للاعتداء على الأرواح.
وحرًّم الله عز وجل دم المسلم، وأكد حرمته، فقال عزمن قائل” (ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاءه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيرا).
فجمع في عقوبة قاتل المسلم بين الخلود في جهنم، وغضب الله عليه ولعنه وهي عقوبات لم تجتمع في كبيرة من الكبائر غير قتل المسلم بغير حق عمدًا.
وجعل تعالى في آية أخرى قتل النفس بغير حق عمدًا، مساويًا لقتل الناس جميعًا، فقال تعالى: (من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا) المائدة 32.
بل إن مجرد استحلال قتل المسلم بغير حق يعتبر استحلالا لدماء الناس جميعًا كما فهم سعيد بن جبير من الآية، روي ابن كثير في تفسيره عن سعيد بن جبير قال: ” من استحل دم مسلم، فكأنما استحل دماء الناس جميعًا، ومن حرم دم مسلم، فكأنما حرم دماء الناس جميعًا.
ولم يقف الإسلام في صيانة حرمة عرض المسلم وماله ودمه عند هذا الحد، بل لقد شرع الإسلام الكثير مما فيه مزيد صيانة لحرمة المسلم ، والتعريف بحقه، من ذلك الأخذ بيد المسلم عند الشدة تنزل به، والظلم يحل بساحته ، فواجب المسلم أن ينصر أخاه المسلم إذا نزل به ظلم ما استطاع إلى ذلك سبيلا، صيانة للبناء الإسلامي من التصدع، ومن نصره منعه من الظلم لغيره، أيضًا فضلا عن عدم ظلمه من باب أولى.
كما يعد الله عز وجل المسلم بجزيل المثوبة على تفريجه الكرب عن أخيه المسلم قال ـ ﷺ ـ: ” المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة” متفق عليه.
من هنا كان من الواجب على المسلمين جميعًا في مشارق الأرض ومغاربها، أن يعرفوا هذا الذي جاء به كتاب الله وسنة رسوله ـ ﷺ ـ من تعظيم حرمة المسلم، دمه وماله وعرضه، وأنه أعظم حرمة عند الله من الكعبة المشرفة، وأن يتواصوا فيما بينهم بالعمل بهذا طلبًا لمثوبة الله عز وجل ورضوانه، وحتى ترفرف راية الأخوة الإسلامية عالية خفاقة بينهم، فيستظلون بظلها ويصيروا كما أراد الله لهم أمة واحدة، كالبنيان الواحد يشد بعضه بعضا.
قال تعالى:(إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) وقال ﷺ: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه” متفق عليه.
وحتى يعظموا في عين أعدائهم فيهابونهم، ويخشونهم بأسهم، فإنه لا أضر على المسلمين من تفوقهم مع وجود كل أسباب القوة بينهم وفيهم من المال الكثير والعدد القليل الوفير، والدين المحفوظ.
وواجب المسلمين جميعًا إذا اختلفوا أفرادًا وجماعات، وشعوبًا وحكومات ـ والاختلاف سنة من سنن الله في كونه، أقول: واجبهم جميعًا أن يحتكموا إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم ـ ﷺ ـ قال تعالى: [ وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله] وألا يسرعوا إلى الاحتكام إلى السيف، فتسيل بينهم الدماء التي أمر الله تعالى بصيانتها، وعظم حرمتها.
وإن الله عز وجل السميع البصير، الذي يعلم السر وأخفى، ويحاسب على الصغير والكبير القائل: [فمن يعمل مثقال ذرة خيرًأ يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره].
إن الله عز وجل رقيب على عباده، وسيحاسبهم على أعمالهم، وإن رقابة الله كاملة، وإن حسابه دقيق.