إن كل ما يحدث في الكون يعلمه الله تعالى ، وضعف النفس وارتكابها محرم من المحرمات ، لا يجيز لصاحبها أن يدعي أن هذا تم بإرادة الله تعالى ، فالله تعالى نهانا عن الآثام والمحرمات ، فمن يرتكب محرما يتحمل نتيجة ذلك من العقاب .

يقول فضيلة الدكتور أحمد الشرباصي الأستاذ بجامعة الأزهر – رحمه الله تعالى :-

يقول الله ـ تبارك وتعالى ـ: (ما أصابَكَ مِنْ حسنَةٍ فَمِنَ اللهِ وما أصابَكَ مِنْ سيِّئَةٍ فمِنْ نَفْسِكَ). (النساء:79). ومعنى الآية كما نُوجزه من تفسير المنار أنه مهما يُصِبْكَ من حسنة فهي من مَحْضِ فضل الله ـ سبحانه وتعالى ـ الذي سخَّر لك المنافع تفضلاً منه وكرمًا، ومهما يُصبك من سيئة فمن نفسك، فإن الله تعالى آتاك قدرة على العمل، وأعطاك اختيارًا وإرادة، ووهبك قدرة على التمييز بين الخير والشر، وإذا كان الله جل جلاله هو خالق كل شيء في الحقيقة والواقع، فإن الإنسان يقع في الخطأ بتقصير منه، إذ لم يستعمل الموهوب له من عقله، ولم يستخدم عزمه الذي وهبه له خالقه في التزام الصالح وتجنب الضار .

والإنسان إذا أحكم العلم وأحسن الاختيار، مهتديًا بسنن الفطرة وأحكام الشريعة، وهي كلها من عند الله ـ تبارك وتعالى ـ ومن محض فضله ورحمته، كان مغمورًا في الحسنات والخيرات، وإذا قصر في العلم وأساء الاختيار في استعمال قواه وأعضائه، في غير ما يقتضيه نظام الفطرة وحاجة الطبيعة، وقع في الأمور التي تسوؤه .

وهناك في الكون سُنن عامة، وأعمال ليست من اختصاص البشر، ولكنها من اختصاص الله ـ سبحانه ـ وهذه الأمور لا دخل لنا فيها، ونحن مجبورون على التسليم بها والخضوع لها، مثل نظام الهواء والماء والأفلاك والكواكب، وتدبير شؤون الكون، وهذا معنى قول الله ـ جل جلاله ـ: (ورَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) (القصص:68).

وهناك أعمال أخرى هي أعمال الناس التي يؤدونها وهم في حالة من العقل والإرادة والاختيار، ولا شك أنهم مسؤولون عن هذه الأعمال؛ لأنهم فعلوها بإرادتهم واختيارهم، وإن كانوا عبادًا لله، ومملوكين له مع غيرهم، ومن هنا قال الله ـ تعالى ـ: (قُلْ يا أيُّهَا الناسُ قد جاءَكُمْ الحَقُّ مِنْ ربِّكُمْ فمَنْ اهتَدَى فإنَّمَا يهتدِي لِنَفْسِهِ ومَنْ ضَلَّ فإنَّمَا يَضِلُّ علَيْهَا وما أنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) . (يونس:108). والله محيط بكل شيء، عليم بكل أمر .

وأما معنى قول الله ـ تعالى ـ: (يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) . (النحل:93)، فهو أن الشخص الذي يختار الضلال يُقِرُّهُ الله على مراده، ويُجازيه به، والذي يختار الهدى يُقِرُّهُ الله على مراده، ويُثيبه عليه، والله ـ تعالى ـ هو القائل: (فلمَّا زَاغُوا أزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ واللهُ لا يهدي القَوْمَ الفَاسِقِينَ). (الصف:5). ويقول: (قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ).(الرعد:27). ويقول: (وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عمَلَكُمْ ورَسُولُهُ والمُؤْمِنُونَ) (التوبة:105). ويقول: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ). (الزلزلة:7ـ8).

وعلى هذا فالقاتل قد قتلَ بإرادته، فيكون مُستحِقًّا للجزاء والعقاب .