لا مانع من التنظيم المؤقت للنسل ما دام سيتم برضى وموافقة الزوجين، ولا يجوز فرض هذا التنظيم بقانون ملزم، بل يجب ترك هذا الأمر لحاجة الزوجين، وهذا بعد الرجوع إلى المتخصصين من الأطباء لمعرفة مدى مناسبة هذه الوسائل وهل هناك ضرر صحي من جراء هذه الوسائل أم لا حيث لا ضرر ولا ضرار .

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:

لا مانع من ذلك إذا اتفق عليه الزوجان، ولم يضر الزوجة، وقد كان الصحابة يعزلون لأعذار وأسباب، ولم ينههم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، كما جاء في الصحيح.

فلا ريب أن بقاء النوع الإنساني من أول أغراض الزواج أو هو أولها وبقاء النوع إنما يكون بدوام التناسل، وقد حبب الإسلام في كثرة النسل، وبارك الأولاد ذكورًا وإناثًا ولكنه رخص للمسلم في تنظيم النسل إذا دعت إلى ذلك دواع معقولة وضرورات معتبرة، وقد كانت الوسيلة الشائعة التي يلجأ إليها الناس لمنع النسل أو تقليله – في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – هي العزل (وهو قذف النطفة خارج الرحم عند الإحساس بنزولها) وقد كان الصحابة يفعلون ذلك في عهد النبوة والوحي كما رُوى في الصحيحين عن جابر “كنا نعزل في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والقرآن ينزل” وفي صحيح مسلم قال: “كنا نعزل على عهد رسول الله فبلغ ذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلم ينهنا “.

-وجاء رجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا رسول الله . إن لي جارية وأنا أعزل عنها، وإني أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تحدث: أن العزل الموءودة الصغرى ! ! فقال عليه السلام: “كذبت اليهود، ولو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه” (رواه أصحاب السنن) . ومراد النبي – صلى الله عليه وسلم – أن الزوج – مع العزل – قد تفلت منه قطرة تكون سببًا للحمل وهو لا يدري.

-وفي مجلس عمر تذاكروا العزل فقال رجل: إنهم يزعمون أنه الموءودة الصغرى، فقال علي: لا تكون موءودة حتى تمر عليها الأطوار السبعة، حتى تكون سلالة من طين ثم تكون نطفة ثم علقة ثم عظامًا ثم تكسى لحمًا ثم تكون خلقًا آخر . فقال عمر: صدقت . . أطال الله بقاءك.

مسوغات لتنظيم النسل:

ومن أول هذه الضرورات:الخشية على حياة الأم أو صحتها من الحمل أو الوضع، إذا عرف بتجربة أو إخبار طبيب ثقة . قال تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (البقرة: 195).

وقال: (ولا تقتلوا أنفسكم، إن الله كان بكم رحيمًا) النساء (29).

ومنها الخشية في وقوع حرج دنيوي قد يفضي به إلى حرج في دينه فيقبل الحرام، ويرتكب المحظور من أجل الأولاد، قال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (البقرة: 185)

وقال تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) (المائدة: 6)

ومن ذلك الخشية على الأولاد أن تسوء صحتهم أو تضطرب تربيتهم وفي صحيح مسلم عن أسامة بن زيد أن رجلاً جاء إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: يا رسول الله، إني أعزل عن امرأتي .

فقال – صلى الله عليه وسلم -: “لم تفعل ذلك” ؟ فقال الرجل: أشفق على ولدها – أو قال -: على أولادها. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لو كان ضارًا لضر فارس والروم”. (أخرجه مسلم).

وكأنه عليه السلام رأى أن هذه الحالات الفردية لا تضر الأمة في مجموعها بدليل أنها لم تضر فارس والروم – وهما أقوى دول الأرض حينذاك.

ومن الضرورات المعتبرة شرعًا: الخشية على الرضيع من حمل جديد ووليد جديد، وقد سمى النبي – صلى الله عليه وسلم – الوطء في حالة الرضاع وطء الغيلة أو الغيل لما يترتب عليه من حمل يفسد اللبن ويضعف الولد، وإنما سماه غيلا أو غيلة، لأنه جناية خفية على الرضيع فأشبه القتل سرًا.

وكان – عليه الصلاة والسلام – يجتهد لأمته فيأمر بما يصلحها، وينهاها عما يضرها.

وكان من اجتهاد ه لأمته أن قال: “لا تقتلوا أولادكم سرًا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره” (رواه أبو داود) . ولكنه عليه السلام لم يؤكد النهي إلى درجة التحريم، ذلك لأنه نظر إلى الأمم القوية في عصره فوجدها تصنع هذا الصنيع ولا يضرهم – فالضرر غير مطرد – هذا مع خشيته العنت على الأزواج لو جزم بالنهي عن وطء المرضعات، ومدة الرضاع قد تمتد إلى حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة لذلك كله قال: “لقد هممت أن أنهي عن الغيلة ثم رأيت فارس والروم يفعلونه ولا يضر أولادهم شيئًا”. (رواه مسلم ).

قال ابن القيم رحمه الله في بيان الصلة بين هذا الحديث والحديث السابق – لا تقتلوا أولادكم سرًا -: ” أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – في أحد الجانبين أنه – أي الغيل – يفعل في الوليد مثل ما يفعل من يصرع الفارس عن فرسه كأنه يدعثره ويصرعه، وذلك يوجب نوع أذى ولكنه ليس بقتل للولد وإهلاك له، وإن كان قد يترتب عليه نوع أذى للطفل، فأرشدهم إلى تركه ولكنه لم ينه عنه – أي نهي تحريم – ثم عزم على النهي سدا لذريعة الأذى الذي ينال الرضيع، فرأى أن سد هذه الذريعة لا يقاوم المفسدة التي تترتب على الإمساك عن وطء النساء مدة الرضاع، ولا سيما من الشباب وأرباب الشهوة التي لا يكسرها إلا مواقعة نسائهم، فرأى أن هذه المصلحة أرجح من مفسدة سد الذريعة. فنظر ورأى الأمتين – اللتين هما من أكثر الأمم وأشدها بأسًا – يفعلونه ولا يتقونه مع قوتهم وشدتهم فأمسك عن النهي عنه”. (“مفتاح دار السعادة” لابن القيم ص 620 وانظر “زاد المعاد” جـ 4 ص 16 وما بعدها ط. صبيح).

وقد استحدث في عصرنا من الوسائل التي تمنع الحمل ما يحقق المصلحة التي هدف إليها الرسول – صلى الله عليه وسلم – وهي حماية الرضيع من الضرر – مع تجنب المفسدة الأخرى – وهي الامتناع عن النساء مدة الرضاع وما في ذلك من مشقة.

وعلى ضوء هذا نستطيع أن نقرر أن المدة المثلى في نظر الإسلام بين كل ولدين هي ثلاثون أو ثلاثة وثلاثون شهرًا لمن أراد أن يتم الرضاعة.

وقرر الإمام أحمد وغيره أن ذلك يباح إذا أذنت به الزوجة، لأن لها حقا في الولد، وحقا في الاستمتاع . وروي عن عمر أنه نهى عن العزل، إلا بإذن الزوجة . وهي لفتة بارعة من لفتات الإسلام إلى حق المرأة في عصر لم يكن يعترف لها فيه بحقوق.

هذا عن رأى الشيخ فى تنظيم النسل أما الجراحة التي تقطع النسل بالكلية فلم يجزها إلا إذا كانت هناك ضرورة قوية كالخوف على حياة الأم ولم تكن هناك وسيلة متاحة غير هذا.

ويقول الشيخ عطية صقر ـ رحمه الله :

تنظيم النسل أو تحديده أمر اشتدت الدعوة إليه أخيرًا بعد ملاحظة تزايد السكان وعدم كفاية الإنتاج لسدِّ مطالبهم .

وبصرف النظر عن تأثُّر الدَّعوة إليه بآراء ” توماس روبرت مالتوس ” التي نشرها في مقاله عن السُّكان سنة 1798 م، وعن حساسية المسلمين نحوه بأنه فكرة غريبة ليست في مصلحتهم، يجب أن نلاحظ أن بعض دول الغرب لم تأخذ بهذه الفِكرة لعدم الحاجة إليها، وأن أية فكرة أجنبية لا ينبغي أن نرفضها بادِيَ الرأي لكونها وافدةً إلى المجتمع الإسلامي، فكم من الفِكَر الجديدة أخذنا بها ولها وجاهتها؛ لأنها تُحقق المصلحة ولا تتصادم مع المقرَّرات الدينية .

كما يجب أن نلاحظ أن واقع المسلمين الآن يجب تغييره إلى الأحسن سياسيًا واقتصاديًا ودينيًا وحضاريًا، فأكثرهم يُعاني من الفقر بالذات هو بكثرة الإنتاج والعدالة في توزيعه، وبترشيد الاستهلاك حتى لا يكون تبذير أو إسراف يبتلع الجهود المبذولة لحل الأزمة، فإن الاستقرار الاقتصادي في بعض البلاد التي لا تملك من الموارد ما يجعلها في غنىً عن التفكير في هذا الموضوع .

ولما كان الموضوع ـ إلى جانب العامل الاقتصادي والعوامل الأخرى ـ له جانب ديني، فإن للفقهاء فيه آراء مختلفة، بِناء على اختلافهم في حُكم صورة من صُوَر منْع الحمل كانت موجودة أيام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهي المعروفة بالعزْل .

وملخَّص أقوالهم فيها أربعة:

القول الأول :يُجيز العزل مطلقًا، ورويَ ذلك عن عشرة من الصحابة، وصحَّت به أحاديثُ كثيرة، منها: ما رواه البخاري ومسلم عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : كنَّا نَعزل على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والقرآن يَنزل، وزاد مسلم في روايته: فبَلغه ذلك فلم يَنهنا . كما روى مسلم أن رجلاً قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إن لي جارية هي خادمتنا وسانيتنا في النَّخل ـ أي تُسقي نخلنا ـ وأنا أطُوف عليْها وأكْره أن تَحمل، فقال ” اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدِّر لها ” فغاية ما يدل عليه هو عدم نهيه عنه .

ومنها ما رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي أن اليهود قالت: العزْل الموءودة الصغرى، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ” كذَبت يهود، إن الله ـ عز وجل ـ لو أراد أن يَخْلُق شيئًا لم يستطع أحد أن يصْرفه ” فالرسول خالف اليهود في تنفيرهم من العزل، وذلك دليل جوازه .

ومنها ما رواه مسلم وغيره أن رجلاً قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إني أعزل عن امرأتي، فقال له ” لمَ تفعل ذلك “؟ قال : أُشْفق علي ولدها، فقال له ” لو كان ضارًّا لَضَرَّ فارس والروم ” فلم يَنْهه عن العزل، بل أقرَّه عليه، ويؤيِّد ذلك حديث مسلم أيضًا عن جُدامة بنت وهب عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ” لقد هممْت أن أنْهي الغَيْلة، فنظرْت في الروم وفارس فإذا هم يُغِيلُون أولادهم فلا يضرُّ أولادَهم شيئًا ” والغِيْلَة هي جِماع المُرْضِع أو الحامل، ولبنهما يُسمى ” الغَيْل ” وكانت العرب ترى أنه يضر بالولد .

ومنها ما رواه البخاري ومسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ” تعوَّذوا بالله من جَهْدِ البلاء ودَرْك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء ” وفسَّر ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ جهد البلاء بقلِّة المال وكثرة العيال، ومعنى ذلك أن كثرة العِيال مع الفقْر أمر مكروه يُستعاذ بالله منه، وهو يدل على جواز الحد من الإنجاب بالعزل ونحوه .

كما استدلوا بأحاديث وآثار ضعيفة نَبَّهَ عليها العراقي في تخريج أحاديث الإحياء، والزُّرقاني على المواهب اللَّدُنِّيَّة منها ” خير الناس بعد المائتين الخفيف الحَاذِ، الذي لا أهل له ولا ولد ” قلَّة العيال أحد اليسارين وكثرتهم أحد الفَقْرين ” وقول عمرو بن العاص في خُطبة له بمصر: إياكم وكثرة العيال وإخفاض الحال وتضييع المال … …

القول الثاني :يُحرِّم العزْل مُطلقًا بدليل حديث مسلم عن جُدامة بنت وهب أن أناسًا سألوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن العزْل فقال ” ذلك الوَأْدُ الخَفِيُّ ” .

القول الثالث :يُجيز العزل إذا أذِنَت الزوجة فيه، ودليله حديث أحمد وابن ماجه عن عمر ـ رضي الله عنه : نهى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يُعزَل عن الحُرَّة إلا بإذنها، ولعلَّ ذلك لحقِّها أيضًا في الولد .

القول الرابع:يُجيز العزْل في المملوكة دون الحرَّة، وذلك خوفًا على الولد من الرِّق إن كانت زوجة، أو على ضياع ملكه لها إن أصبحت أم ولد بالولادة . والدَّليل هو مفْهوم الحرَّة في الحديث الذي استدل به القول الثالث .

وهذه الأدلَّة كلها مُناقَشة وبخاصة أدلةُ الأقوال الثلاثة الأخيرة، ونُشير إلى بعض ذلك باختصار:

1 ـ أن حديث مسلم في عدم النهي عن الغَيْل يتعارض مع حديث أبي داود في النهْي عنه ونصه ” لا تقتلوا أولادكم سرًّا، فإن الغَيْل يُدرِك الفارس فيُدَعْثِرُه عن فرسه ” أي يَصرعه إذا صار رجلاً حيث لا يَقوَى على منازلة الشُّجعان، وقد يُجاب عن ذلك بتقديم حديث مسلم؛ لأنه أقوى من حديث أبي داود، فيَبقى الأمر على الجواز، أو يُحمل النهيُ على الكراهة. يقول ابن القيم : لو كان وطْء الحامل والمُرضع حرامًا لكان معلومًا من الدين، وكان بيانه من أهم الأمور ولم تُهملْه الأمَّة وخير القرون .

2 ـ تفسير ابن عمر لجَهد البلاء بقلَّة المال وكثرة العيال غير ملزم .

3 ـ التعبير عن العزْل بالوأْد الخَفِي هو على التشبيه لا على الحقيقة، ويقول ابن القيم: اتَّفق عمر وعلي ـ رضي الله عنهما ـ على أنها موءودة إذا مَرَّ عليها التَّارات السبع، حتى تكون سُلالة من طين ثم تكون نطفة ثم تكون علقة ثم تكون مضغة ثم تكون عظامًا ثم تكون لحمًا، ثم تكون خلقًا آخر .

4 ـ حديث النهي عن العزل عن الحرة إلا بإذنها علَّق عليه ابن تيمية في كتابه ” المُنتقى ” بأن إسناده ليس بذاك .

قال النَّووي بعد ذِكْر مذاهب العلماء في العزل: ثم هذه الأحاديث مع غيرها يُجمع بينها بأن ما ورد في النهي مَحمول على كراهة التَّنزيه، وما ورد في الإذْن في ذلك محمول على أنه ليس بحرام، وليس معناه نفْي الكراهة ” شرح النووي لصحيح مسلم ” ج 10 ص 9 ” .

وقد ذَكَر الإمام الغزَّالي في كتابه الإحياء ” ج 2 ص 47 ” أن الصحيح عنده أن العزل مباح، وأما الكراهة فإنها تُطلق لنهي التحريم ولنهي التنْزيه ولترْك الفضيلة، فهو مكروه بالمعنى الثالث أي فيه ترك فضيلة … إلى أن قال: وإنما قُلنا لا كراهة بمعنى التَّحريم والتنْزيه؛ لأن إثبات النهي إنما يُمكن بنصٍّ أو قياس على منْصوص، ولا نص ولا أصل يُقاس عليه، بل هاهنا أصل يُقاس عليه هو ترك النكاح أصلاً، أو ترك الجماع بعد النكاح، أو ترك الإنزال بعد الإيلاج، فكل ذلك ترك للأفضل وليس بارتكاب نهْي … ثم قال : وليس هذا كالإجهاض والوأْد؛ لأن ذلك جناية على موجود حاصل … ثم قال : فإن لم يكن العزل مكروهًا من حيث إنه دفع لوجود الولد فلا يَبْعُد أن يكون لأجْل النية الباعثة عليه، إذ لا يَبعَث عليه إلا نيَّة فاسدة فيها شيء من شوائب الشِّرك الخفي، فأقول :

النيات الباعثة على العزل خمس:

الأول :في السَّراري ـ أي الإماء ـ وهو حفظ الملك عن الهلاك باستحقاق العتاق، وقَصْد استبْقاء الملك بترك الإعتاق . ودفع أسبابه ليس بمنهيٍّ عنه .

الثانية :استبقاء جمال المرأة وسِمْنها لدوام التمتُّع بها واستبقاء حياتها خوفًا من خطر الطلْق، وهذا أيضًا ليس منهيًّا عنه .

الثالثة :الخوف من كثرة الحرَج بسبب كثرة الأولاد، والاحتراز من الحاجة إلى التَّعب في الكسب ودخول مداخل السوء . وهذا أيضًا غير منهي عنه، فإن قلَّة الحرَج مُعين على الدِّين، نعم، الكَمال والفضْل في التوكُّل والثِّقة بضمان الله حيث قال ( ومَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا ) ولا جَرَم فيه سقُوط عن ذِرْوة الكَمَال وترْك الأفْضل، ولكن النَّظر إلى العواقب وحفظَ المال وادِّخارَه مع كونه مُناقِضًا للتوكُّل لا نقول إنه منهي عنه .

الرابعة :الخوف من الأولاد الإناث، لما يُعتقَد في تزويجهنَّ المَعَرَّة كما كان من عادة العرب في قتلهم الإناث، فهي نية فاسدة، لو ترك بسببها أصل الوِقَاع أَثِمَ بها، لا بترك النكاح والوطء، فكذا في العزل والفساد في اعتقاد المعرَّة في سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشدّ، ويُنَزَّل منزلته امرأة تركت النكاح استنكافًا من أن يعلوَها رجلٌ، فكانت تتشبه بالرجال . ولا تَرجع الكراهة إلى عين ترْك النكاح.

الخامسة :أن تمتنع المرأة لتعزُّرها ومبالغتها في النظافة والتحرُّز من الطلْق والنفاس والرَّضاع، وكان ذلك عادة نساء الخوارج لمبالغتهن في استعمال المياه، حتى كنَّ يقضين صلوات أيام الحيْض ولا يَدخلن الخلاء إلا عُراة، فهذه بدعة تخالف السنة، فهي نية فاسدة .

هذا هو كلام الإمام الغزَّالي، وقد رأينا عند ذكره الباعث الثالث على العزل أنه لا مانع منه للظروف الاقتصادية، بمعنى أنه غير محرَّم ولا مكروه، ومعلوم أن ترتيب أمور الإنسان حسب الظروف أمر دعا إليه الدين، قال تعالى ( ولْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِه ) ( النور : 33 ).

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم ” يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فلْيتزوج فإنه أغضُّ للبصر وأحْصَنُ للفرْج ومن لم يستطعْ فعليه بالصَّوم فإنه له وِجَاء ” أي: قاطع .

وأما ما روى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من التنْفير من ترك الزواج مخافة الفقر فهو ضعيف .

قرار مجمع البحوث الإسلامية بشأن تحديد النسل:

والمؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية الذي انعقد في القاهرة في المحرم 1384 هـ ( مايو 1965) قرَّر ما يلي :

1 ـ أن الإسلام يُرَغِّبُ في زيادة النسل وتكثيره؛ لأن كثرة النسل تُقوِّى الأمة الإسلامية اجتماعيًا واقتصاديًا وحربيًا، وتَزيدها عزَّة ومَنْعة .

2 ـ إذا كانت هناك ضرورة شخصية تُحَتِّمُ تنظيم النسل فللزوجين أن يتصرَّفا طبْقًا لما تقضيه الضرورة، وتقدير الضرورة متروك لضمير الفرد ودينه .

3 ـ لا يصحُّ شرعًا وضع قوانين تُجبِر الناس على تحديد النسل بأي وجه من الوجوه .

4 ـ  إن الإجهاض بقصد تحديد النسل أو استعمال الوسائل التي تؤدي إلى العقم لهذا الغرض ـ أمر لا تجوز ممارسته شرعًا للزوجين أو غيرهما .

ويُوصِي المؤتمر بتوعية المواطنين وتقديم المعونة لهم في كل ما سبق تقريره بقصد تنظيم النسل.