من المعلوم أن الشرور والآثام في رمضان تقل عن غيره من الشرور، لأن المردة فيه قد صفدوا، ولكن هناك صغار الشياطين والنفس الأمارة بالسوء ، مما يجعل الذنوب موجودة ، ولكن بصورة أقل من غيره من الشهور.
يقول الأستاذ الدكتور أحمد يوسف أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة:
روى البخاري ومسلم في الصحيحين -مع بعض الاختلاف في الألفاظ- عن سيدنا أبي هريرة -رضي الله- أن رسول الله -ﷺ- قال: “إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصُفدت الشياطين”، وهذا لفظ مسلم.
وفي البخاري قال: إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغُلقت أبواب جهنم، وسُلسلت الشياطين”، ومعنى “صُفدت” هو معنى “سلسلت” و”قيدت.
وقد فهم بعض العلماء هذا الحديث على المجاز مثل الحافظ المناوي -رحمه الله-، الذي قال في شرحه إياه: “إن تصفيد الشياطين مجاز عن امتناع التسويل عليهم، واستعصاء النفوس عن قبول وساوسهم، وحسم أطماعهم عن الإغواء؛ لأنه إذا دخل رمضان، واشتغل الناس بالصوم، وانكسرت فيهم القوة الحيوانية التي هي مبدأ الشهوة والغضب الداعييْن إلى أنواع الفسوق، وفنون المعاصي، وصفت أذهانهم، وصارت نفوسهم كالمرائي المتقابلة المتعاكسة، وتنبعث من قواهم العقلية، داعية إلى الطاعات، ناهية عن المعاصي؛ فتجعلهم مجمعين على وظائف العبادات، عاكفين عليها، معرضين عن صنوف المعاصي، عائقين عنها؛ فتفتح لهم أبواب الجنان، وتغلق دونهم أبواب النيران، ولا يبقى للشيطان عليهم سلطان، فإذا دنوا للوسوسة يكاد يحرقهم نور الطاعة والإيمان”.
ونقل ابن حجر في (الفتح) عن “القرطبي” فهمه لهذا الحديث على ظاهره. وأجاب عن الإشكال بينه وبين الواقع بقوله: “إنما تقل أي: وساوس الشياطين عن الصائمين في الصوم الذي هو فقط على شروطه، وروعيت آدابه، أو المصفد بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم، أو المراد فتقل الشرور فيه. وهذا محسوس مشاهد، فإن وقوع ذلك فيه أقلّ من غيره؛ إذ لا يلزم من تصفيد جمعيهم ألا يقع شر ولا معصية؛ لأن لذلك أسبابا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة، والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية”.
وهكذا ندرك أن حديث النبي -ﷺ- لا يتناقض مع الواقع، سواء فهمنا الحديث على أنه مجاز، أو فهمناه على ظاهره؛ فالشرور والآثام تقل في رمضان عن غيره، كما أن هذه الشرور والآثام ليست الشياطين من الجن أسبابها الوحيدة.