يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله-:
ليس في هذه المسألة نص عن الشارع ، وهي من المسائل الدنيوية التي تتبع فيها قاعدة درء المفاسد وجلب المصالح وحينئذ يختلف الحكم باختلاف الأموات ، فإذا وقع الشك في موت من ظهرت عليه علامات الموتى ، وعلم أن الطبيب يمكنه أن يعرف الحقيقة بالكشف عليه فإن الكشف عليه يكون متعينًا ، ويحرم دفنه مع بقاء الشك في موته وإبقاؤه عرضة للخطر .

ويختار الطبيب الذي يوثق به ؛ للعلم ببراعته وأمانته على غيره ؛ لأن العبرة في ذلك بالثقة ، فإذا لم يوجد طبيب مسلم يوثق به ، ووجد غيره اعتمد عليه ، بل إذا وجد طبيب مسلم غير موثوق به ، وطبيب غير مسلم موثوق بتكرار التجربة ، يرجح الاعتماد على الثاني؛ لأن المسألة ليست عبادة فيكون الترجيح فيها بالدين ، بل أقول : إن مَنْ اشترط من الفقهاء إسلام الطبيب الذي يؤخذ بقوله في المرض الذي يبيح ترك الغسل والوضوء إلى التيمم ، إلا لاعتبار ذلك من أركان العدالة التي هي سبب الثقة ، وقد صرحوا حتى في هذه المسألة الدينية بأن المريض إذا صدق الطبيب الكافر بأن الماء يؤذيه في مرضه ، كان له أن يعمل بقوله .

وإذا كان من اشتبه في موته امرأة ووجدت طبيبة يوثق بها قدمت على الطبيب حتمًا ، فإن لم توجد كشف عليها الطبيب كما هو الشأن في جميع الأمراض .

ومن درء المفاسد والقيام بالمصالح العامة ، ما هو معمول به في بعض البلاد الإسلامية ، وحيث توجد من مقاومة أسباب الوباء والأمراض المعدية ، ومن أعمالهم ما هو مفيد قطعًا ، ومنه ما تظن فائدته ، فإذا علم أن في الكشف على الميت ؛ لمعرفة سبب مرضه مصلحة عامة ، لم يكن ما يعبرون عنه بتكريم الميت مانعًا من ذلك .

نعم ، إن إهانة الميت محظورة، ولكن الإهانة تكون بالقصد وهو منتف هنا ، على أن درء المفاسد وحفظ المصالح العامة من الأصول التي لا تهدم بهذه الجزئيات ، والمدار على العلم بأن هنا مفسدة يجب درؤها ، أو مصلحة يجب حفظها ، فإذا علم أولو الأمر ذلك عملوا به ، والشرع عون لهم عليه .