يقول الله سبحانه في شأْن اليهود والتوراة (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (سورة المائدة:45)، ويقول في المسلمين (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي القَتْلَى الحُرُّ بِالحُرِّ وَالعَبْدُ بِالعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى) (سورة البقرة:178)، فالقِصَاصُ في القتْل مشروع في الإسلام وقبل الإسلام، مشروع بين أهل كلِّ دِين فيما بيْنهم، النفس اليهودية بالنفس اليهودية، والنفس المسلمة بالنفس المسلمة.

أما إذا قَتل مسلم شخصًا غير مسلم فهل يُقتص منه بالقتل؟ يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه البخاري وغيره عن علي ـ رضي الله عنه ـ في محتويات الصحيفة ” لا يُقْتل مسلم بكافر” وفي رواية لأحمد والنسائي وأبي داود ” ولا ذو عهد في عهده”، وروى أحمد وابن ماجة والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قَضى ألا يُقْتل مسلم بكافر، وفي رواية ولا ذو عهد بعهده. وروى عبد الرزَّاق عن معمر عن الزُّهْرى عن سالم عن أبيه أن مسلمًا قتل رجلًا من أهل الذِّمة فرُفِع إلى عثمان ـ رضي الله عنه ـ فلم يَقتُلْه، وغلَّظ عليه الدِّيَة، قال ابْنُ حزم: هذا في غاية الصِّحَّة، ولم يصح عن أحد من الصحابة شيء غير هذا، إلا ما رويناه عن عمر أنه كتب في مثل ذلك أن يُقاد به، ثم ألحقه كتابًا فقال: لا تقتلوه ولكن اعْتقِلُوه ” نيل الأوطار للشوكاني ج7 ص 10″ قال الشوكانى”ص11″ فيه دليل على أن المسلم لا يُقْتل بالكافر. أما الكافر الحربي فذلك إجماع كما حكاه صاحب البحر. أما الذِّمِّي فذَهب الجمهور إليه، لصدق اسم الكافر عليه، وذهب الشعبي والنخعي وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يُقتل المسلم بالذِّمي، وفي هذا الاستدلال مناقشة.

فرأي الجمهور أقوى بدليل ما ذكره الشافعي في “الأم” أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال ذلك في خطبة يوم الفتْح بسبب القتيل الذي قَتلتْه خُزاعة وكان له عهد، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لو قتلت مسلمًا بكافر لقتلته به” وقال ” لا يُقْتل مؤمنٌ بكافر ولا ذو عهد في عهده”، فأشار بقوله ” لا يُقْتل مسلم بكافر” إلى ترْكه الاقتصاص من الخزاعي بالمعاهد الذي قتَله، وبقوله ” ولا ذو عهد بعهده” إلى النهي عن الإقدام على فعله القاتل المذكور، فيكون قوله: “ولا ذو عهد في عهده” كلامًا تامًّا لا يحتاج إلى تقدير.

ومما استدل به الحنفية قوله تعالى (أنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) فهو حكم عام بين كل نَفْسيْن، ويُرد عليه بأن هذا العموم الذي في الآية مُخصَّص بأحاديث الباب “عنوان الباب في الكتاب”، ومن أدِلَّتهم أيضًا حديث أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قتل مسلمًا بمعاهد، وقال ” أنا أكرم من وفَّى بذِمَّته”، ويُرد عليه بأنه حديث مرسل، وفي سنده مَن هو ضعيف. ومن أدلة الجمهور من القرآن قوله تعالى (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) (سورة النساء: 141)، وقوله: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الجَنَّة) (سورة الحشر :20)، وكذلك من أدلتهم من السنة عدم القصاص من المسلم الذي لطم اليهودي القائل: لا والذي اصطفى موسى على البشر رواه مسلم وحديث ” الإسلام يعلو ولا يُعْلى عليه”، وهو حديث فيه مَقال، لكنه علَّقه البخاري في صحيحه.