يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-:
إن الأمراض البدنية قد خلق الله لها عقاقير طبية فيها خاصة الشفاء، وأرشد إلى البحث عنها والتداوِي بها، وقد صحَّ أن النبي ـ ـ دخل على مريضٍ يعوده، فلمَّا رآه طلب من أهله أن يُرسلوا إلى طبيب، فقال قائل: وأنت تقول ذلك يا رسول الله؟ فقال ـ عليه السلام ـ: نعم. إن الله ـ عز وجل ـ لم يُنزل داءً إلا أنزل له دواء .

فعل النبي ـ ـ إرشادًا لأُمته إلى أن التداوي مِن الأمراض البدنية إنما يكون مِن طريق الطب البَشرِيِّ الذي يعرف الدواء، أما القرآن فلم يُنزله الله دواءً لأمراض الأبدان، وإنما أنزله كما قال دواء لأمراض القلوب وشفاءً لمَا في الصدور .

وإذا كانت أمراض الأبدان أمراضًا مادية وشفاؤها بأدوية مادية، فأمراض القلوب أمراض معنوية، وشفاؤها بأدوية معنوية، والقرآن، قد عالج مرض الجهل بالعلْم، ومرض الشُّبْهَةِ بالبرهان، ومرض الشهْوة بالحِكْمة .

أما الرُّقَى بالأدعية ( وآيات القرآن ) فإنها تُفَسَّرُ على أنها نوع من الدعاء، ولكنها لا تُقبل على أنها دواء للمريض من الداء، فللأدْواء علاجُها مما خلق الله من العقاقير.انتهى

ويذهب جمهور علماء أهل السنة إلى أن النصوص المقررة لكون القرآن شفاء عامة في أمراض القلوب والأبدان، ولهذا الشفاء شروط لتحققه وفي ذلك يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: قال الله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ (الإسراء ، آية : 82). والصحيح أن (مِنَ) هنا لبينان الجنس لا التبعيض، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ﴾ (يونس ، آية : 57). فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدوار القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ويوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبداً، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها، فما من مرض من أمراض القلوب، والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحماية منه لمن رزقه الله فهماً في كتابه. (زاد المعاد، 3 / 178).