صلاة الفجر أو صلاة الصبح لفظان يطلقان على الصلاة التي يجب أداؤها مع طلوع الفجر الصادق من اليوم، وقد جاء الأمر بأدائها والمحافظة عليها في القرآن الكريم، فقد دخل في عموم الصلوات الخمس المأمور بإقامتها طرفي النهار وزلفا من الليل، يقول الله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]، ويقول الله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ﴾ [هود: 114]، وذلك أن صلاة الفجر تؤدى في أحد طرفي النهار. ثم جاء في صلاة الفجر فضائل خاصة، منها قوله تعالى: ﴿وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78]  قال المفسرون: المراد به صلاة الفجر. قال الزجاج: وفي هذا فائدة عظيمة تدل على أن الصلاة لا تكون إِلا بقراءة، حين سمِّيت الصلاة قرآناً. وبناء على هذه التسمية المذكورة لهذه الصلاة، فما هو الفرق بين صلاة الفجر وصلاة الصبح؟

ما الفرق بين صلاة الفجر وصلاة الصبح؟

أما ما يخص الفرق بين صلاة الفجر وصلاة الصبح فيقول الشيخ عطية صقر – رحمه الله تعالى :

صلاة الفجر

الفجر في اللغة العربية يُطْلَق على النور الذي يشُق ظلام الليل فيبدأ به النهار، والفترة التي بين ظهور هذا النور وطلوع الشمس تُسَمى فترةَ الصَّباح.

والمطلوب منا في هذه الفترة ركعتان : فريضة، والركعتان المفروضتان أطْلِقَ عليهما في القرآن والسُنَّة اسم ” صلاة الفجر كما أطلق عليهما في السنة اسم ” صلاة الصبح “.

 قال تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78]  أي أدِّ الصلاة عندما تميل الشمس عن خط الزوال جهة المغرب إلى ظلام الليل، ويُمْكن أن تُؤَدى في هذه الفترة صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء إذا قلنا إن الغاية ” إلى غَسَقِ اللَّيل ” داخلة فيها، وأدِّ صلاة الفجر .

وبهذا تتم الصلوات الخَمْس المفروضة، وعبَّر عن صلاة الصبح بقرآن الفجر؛ لأن قراءة القرآن هي أكثر ما في الركعتين؛ لأنها صلاة جهرية يُسْمَع فيها القرآن جيدًا، لسكون الجو حيث يكون أكثر الناس نائمين والحركة قليلة، وكان النبي ـ ـ يُطِيل القراءة في صلاة الفجر بالقَدْر الذي لا يتضرر به المأمومون ـ وكانت صلاة الفجر مشهودة؛ لأن ملائكة الليل وملائكة النهار الذين يتعاقبون حِفْظَ الإنسان ومُرَاقَبَة سلوكه يَتم التعاقب بينهم في فترة الصباح حيث يُتلى القرآن في صلاة الفجر ـ كما يتعاقبون في فترة العصر ـ وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة، فتشهدها الملائكة . رواه البخاري، ورواه الترمذي أيضًا وقال : حسن صحيح .

فنرى من الآية أن صلاة الصبح المفروضة أُطْلِقَ عليها اسم الفجر، وجاءت السنة الصحيحة أيضًا بهذا الإطلاق، فقد روى البخاري ومسلم ” لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرُب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلُع الشمس “.

والمراد بالفجر هنا الصبح للتصريح بذلك في رواية أخرى لمسلم ” صلِّ صلاة الصبح ثم أقْصِر عن الصلاة، حتى تَطْلُع الشمس وترتفع .. ” .

وجاء في السنة أيضًا قول عائشة رضى الله عنها : كنَّ ـ نساءَ المؤمنات ـ يشهدن مع النبي صلاة الفجر متلفعات بمروطهن. رواه البخاري ومسلم .

وقال ” أسْفِروا بالفجر فإنه أعظم للأجر ” رواه الخمسة. وقال الترمذي : حديث حسن صحيح، ومعناه: صلوا الفجر عندما يَكثُر النور ويتحقق طلوع النهار[1]” .

صلاة الصبح

وفي تسمية الركعتين المفروضتين بالصبح ـ إلى جانب الحديث المتقدِّم في رواية مسلم في النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح ـ جاء قول النبي ـ ـ لبلال “ثَوِّب بصلاة الصبح حين يُبصر القوم مواقع نَبْلِهم من الإسفار”[2]

 وعن أبي محذورة قال : قلت : يا رسول الله علِّمني سُنَّة الأذان، فعلَّمه وقال ” فإن كانت صلاة الصبح قُلت : الصلاة خيْرٌ من النوم … ” رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والنسائي، وصححه ابن خزيمة[3].

والتثويب هو قول : الصلاة خير من النوم . ومن هنا نعلم أن الركعتين المفروضتين يُطْلَق عليهما اسمُ الفَجْرِ واسم الصبح.

أما ركعتا السُّنَّة فقد جاء فيهما الحديث الشريف ” ركعتا الفجر خيرٌ من الدُّنيا وما فيها ” رواه مسلم . وروى البخاري ومسلم أن عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت : لم يكن ـ ـ على شئ من النوافل أشدَّ تعاهدًا منه على ركْعَتي الفجر .

فالذي يتلفظ بالنية إذا صلَّى ركعتي السُّنة يقول نَوْيت أصلي ركعتي الفجر، أو أصلي ركعتين سُنَّة الفجر، أو ركعتين سُنَّة الصبح أي: سنة الصلاة المفروضة وهى الصبح، كما يقول : أصلي ركعتين سُنة الظهر، أي: سُنة الصلاة المفروضة وهى الظهر .

والذي يصلي فريضة الصبح لابد أن يَنُصَّ في النية ـ إذا تلفظ بها ـ على الفرضية فيقول : نويت أصلي ركعتين فرض الصبح، أو فرض الفجر . ولا يصح أن يقول : أصلي ركعتي الفجر بدون ذِكْر كلمة ” فرض ” .

هذا، وليكن معلومًا أن النية مَحَلُّها القلب، وليست باللسان فقط، فالمُعَوَّل عليه هو ما انعقد عليه القلب من كون الذي يصليه هو الفرض أو السنة، وخطأ اللسان لا يضر. كما أن التلفظ بالنية مُسْتَحَبٌّ عند بعض الأئمة، وغير مُسْتَحب عند بعضهم الآخر، والدين يُسْر.

وبناء على هذا البيان يظهر لنا عدم وجود الفرق بين صلاة الفجر وصلاة الصبح لجواز اطلاقهما على صلاة الصبح بعد طلوع الفجر للأدلة الثابتة في ذلك.

ماذا يفعل الرسول بعد صلاة الفجر؟

ثبت في السنة النبوية أمور كان يفعلها الرسول بعد صلاة الفجر من ذلك:

الجلوس بعد صلاة الصبح  حتى طلوع الشمس

من حديث جابر بن سمرة: أن النبي كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسنا. [رواه مسلم]

قال القاضي عياض في إكمال المعلم:  تبقى بعد طلوعها وقتاً من الزمان حتى تتمكن وترتفع، وهذا من المستحبات والفضائل لزوم موضع صلاة الفجر والإقبال على الذكر والدعاء إلى وقت إباحة الصلاة وكراهية الحديث حينئذٍ.

وسار العلماء على هذه السنة الثابتة يمتثلون هذا الأمر اقتداء بالنبي :

روى ابن عساكر في تاريخه، وأورده الذهبي في السير عن الوليد بن مسلم، قال: رأيت الأوزاعي يثبت في مصلاه، يذكر الله، حتى تطلع الشمس، ويخبرنا عن السلف أن ذلك كان هديهم، فإذا طلعت الشمس قام بعضهم إلى بعض، فأفاضوا في ذكر الله والتفقه في دينه. اهـ.

وروى الفسوي في المعرفة والتاريخ: عن ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول: كان سعيد بن أبي هند، ونافع مولى ابن عمر، وموسى بن ميسرة يجلسون بعد صلاة الصبح حتى يرتفع النهار، ثم يتفرقون، فما يكلم بعضهم بعضا، فقلنا له: اشتغالا بذكر الله؟ قال: كل ذلك، قال: وسمعت مالكا يقول: كنت أرى نافعا بعد صلاة الصبح يلتف بكساء له أسود فيضعه على فيه وما يكلم أحدا. اهـ.

وقال ابن القيم في زاد المعاد: كان إذا صلى الصبح، جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، يذكر الله عز وجل.

جواز الكلام غير الذكر بعد صلاة الفجر

وفي رواية أخرى في صحيح مسلم، سماك بن حرب قال: « قلت لجابر بن سمرة : أكنت تجالس رسول الله ؟ قال: نعم، كثيرا كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام. وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم”.

قال ابن رجب: وهذا يدل عَلَى أَنَّهُ لَمْ ينكر عَلَى من تحدث وضحك فِي ذَلِكَ الوقت، فهذا الحَدِيْث يدل عَلَى أن المراد بمصلاه الَّذِي يجلس فِيهِ المسجد كله.

قال ابن رسلان: وفي هذا فائدتان:

إحداهما: الجلوس للذكر، فإنه وقت شريف.

الثاني: أنه لما تعبد الإنسان للَّه تعالى قبل طلوع الشمس بالصلاة، لزمه الجلوس بعد صلاة الصبح إلى أن تنتهي حركات الساجدين للشمس إذا طلعت، وفيه حكمة عظيمة في تفضل اللَّه على المتعبدين بالمنع من الصلاة في هذا الوقت راحة لأبدانهم[4].

التسبيح بعد صلاة الفجر

جاء عن جويرية رضي الله عنها: أن النبي خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: “ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟” قالت: نعم، قال النبي: “لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته”. [صحيح مسلم].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه.[مسلم]

ما هو الوقت الذي لا يجوز فيه صلاة الفجر؟

اتفق الفقهاء على أن أول وقت الصبح هو طلوع الفجر الصادق، ويسمى الفجر الثاني، وسمي صادقًا؛ لأنه بين وجه الصبح وَوَضَحِه، وعلامته بياض ينتشر في الأفق عرضًا.
أما آخر وقتها فهو بطلوع الشمس، فمتى طلعت الشمس فقد انتهى وقت صلاة الصبح.
دليل ذلك ما رواه الترمذيُّ في السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : “إن للصلاة أولًا وآخرًا، وإن أول وقت صلاة الظهر حين تزول الشمس وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر، وإن أول وقت صلاة العصر حين يدخل وقتها وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس، وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق، وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل، وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس” [الحديث صحيح].

إذا صليت الفجر هل يجب أن تصلي الصبح؟

لا، لا يجب أن تصلي الفجر ثم تصلي الصبح؛ لأن صلاة الفجر وصلاة الصبح هما نفس الصلاة المفروضة ذات الركعتين، ولا فرق بين صلاة الفجر وصلاة الصبح من حيث الحكم والأداء، إنما هما عبارة عن لقبين مختلفين لمسمى واحد، فلا حاجة إلى هذه التفرقة.