الفرق بين المصارف الإسلامية وبين البنوك الربوية ، يتمثل في نقطتين :-
الأولى :- علاقة البنك بالمودعين .
الثانية : علاقة البنك بالمستثمرين .
فالبنك الربوي يتعامل بالربا مع المودعين ، ومع المستثمرين ، فهو يأخذ من المودعين أموالهم على أن يعطيهم مقابل ذلك نسبة من رأس المال مثل 10 % من المال المودع ، ولا علاقة للمودع بما ربحه البنك أو خسره ، فهو له نسبة محدودة من رأس ماله ، وكذلك يفعل مع المستثمرين ، فهو يعطيهم أمواله على أن يعطوه نسبة على هذا المال المأخوذ ، ولا علاقة للبنك بما يربحه المستثمر أو يخسره .
أما البنك الإسلامي فهو يأخذ أموال الناس ليتاجر بها ، ويستثمرها ، ثم يعطيهم نسبة من هذا الربح يكون قد اتفق عليها سلفا ، بمعنى أن يتفق البنك مع صاحب المال على أن يأخذ 10 % مثلا من قيمة الربح الذي سيرزق به الله ، فالعلاقة بينهما علاقة مشاركة تسمى بالمضاربة ، ثم يأتي البنك آخر العام لينظر في ربحه ليحسب ما تمثله النسبة المتفق عليها مع صاحب المال . ،وقد لا يشعر أصحاب الأموال بهذا الفرق ، إلا إذا دققوا في طبيعة العقد الذي تم بينهم وبين البنك الإسلامي يوم الإيداع .
قرار مجمع الفقه الإسلامي حول التعامل مع البنوك الإسلامية والبعد عن البنوك الربوية:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة المنعقدة بمبنى رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12رجب 1406هـ إلى يوم السبت 19رجب 1406هـ قد نظر في موضوع (تفشي المصارف الربوية، وتعامل الناس معها، وعدم توافر البدائل عنها) وهو الذي أحاله إلى المجلس معالي الدكتور الأمين العام نائب رئيس المجلس.
وقد استمع المجلس إلى كلام السادة الأعضاء حول هذه القضية الخطيرة، التي يقترف فيها محرم بَيِّن، ثبت تحريمه بالكتاب والسنة والإجماع، وأصبح من المعلوم من الدين بالضرورة، واتفق المسلمون كافة على أنه من كبائر الإثم والموبقات السبع، وقد آذن القرآن الكريم مرتكبيه بحرب من الله ورسوله، قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) (البقرة 279).
وقد صح عن النبي – ﷺ – أنه (لُعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء) رواه مسلم.
كما روى ابن عباس عنه (إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله عز وجل) وروى نحوه ابن مسعود.
وقد اثبتت البحوث الاقتصادية الحديثة أن الربا خطر على اقتصاد العالم وسياسته، وأخلاقياته وسلامته، وأنه وراء كثير من الأزمات التي يعانيها العالم . وألا نجاة من ذلك إلا باستئصال هذا الداء الخبيث الذي هو الربا من جسم العالم، وهو ما سبق به الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا.
ومن نعمة الله تعالى أن المسلمين بدأوا يستعيدون ثقتهم بأنفسهم ووعيهم لهويتهم، نتيجة وعيهم لدينهم، فتراجعت الأفكار التي كانت تمثل مرحلة الهزيمة النفسية أمام الحضارة الغربية، ونظامها الرأسمالي، والتي وجدت لها يومًا من ضعاف الأنفس من يريد أن يقسر النصوص الثابتة الصريحة قسرًا لتحليل ما حرم الله ورسوله. وقد رأينا المؤتمرات والندوات الاقتصادية التي عقدت في أكثر من بلد إسلامي، وخارج العالم الإسلامي أيضًا، تقرر بالإجماع حرمة الفوائد الربوية، وتثبت للناس إمكان قيام بدائل شرعية عن البنوك والمؤسسات القائمة على الربا.
ثم كانت الخطوة العملية المباركة، وهي إقامة مصارف إسلامية خالية من الربا والمعاملات المحظورة شرعًا، بدأت صغيرة ثم سرعان ما كبرت، قليلة ثم سرعان ما تكاثرت حتى بلغ عددها الآن في البلاد الإسلامية وخارجها أكثر من تسعين مصرفًا.
وبهذا كذبت دعوى العلمانيين وضحايا الغزو الثقافي الذين زعموا يومًا أن تطبيق الشريعة في المجال الاقتصادي مستحيل ؛ لأنه لا اقتصاد بغير بنوك، ولا بنوك بغير فوائد.
وقد وفق الله بعض البلاد الإسلامية لتحويل بنوكها الوطنية إلى بنوك إسلامية لا تتعامل بالربا أخذًا ولا عطاء، كما طلبت من البنوك الأجنبية أن تغير نظامها بما يتفق مع اتجاه الدولة، وإلا فلا مكان لها . وهي سنة حسنة لها أجرها وأجر من عمل بها إن شاء الله.
ومن هنا يقرر المجلس ما يلي :.
أولاً : يجب على المسلمين كافة أن ينتهوا عما نهى الله تعالى عنه من التعامل بالربا، أخذًا أو عطاءًا، والمعاونة عليه بأي صورة من الصور، حتى لا يحل بهم عذاب الله، ولا يأذنوا بحرب من الله ورسوله.
ثانيًا : ينظر المجلس بعين الارتياح والرضا إلى قيام المصارف الإسلامية، التي هي البديل الشرعي للمصارف الربوية ويعني بالمصارف الإسلامية كل مصرف ينص نظامه الأساسي على وجوب الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء في جميع معاملاته ويُلزم إدارته بوجوب وجود رقابة شرعية مُلزمة . ويدعو المجلس المسلمين في كل مكان إلى مساندة هذه المصارف وشد أزرها، وعدم الاستماع إلى الإشاعات المغرضة التي تحاول أن تشوش عليها، وتشوه صورتها بغير حق.
ويرى المجلس ضرورة التوسع في انشاء هذه المصارف في كل أقطار الإسلام، وحيثما وُجِدَ للمسلمين تجمعًا خارج أقطاره، حتى تتكون من هذه المصارف شبكة قوية تهيئ لاقتصاد إسلامي متكامل.
ثالثا: يحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل أو الخارج، إذ لاعذر له في التعامل معها بعد وجود البديل الإسلامي . ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام.
رابعًا: يدعو المجلس المسئولين في البلاد الإسلامية والقائمين على المصارف الربوية فيها إلى المبادرة الجادة لتطهيرها من رجس الربا، استجابة لنداء الله تعالى: (وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) وبذلك يسهمون في تحرير مجتمعاتهم من آثار الاستعمار القانونية والاقتصادية.
خامسًا : كل مال جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعًا، لا يجوز أن ينتفع به المسلم – مودع المال – لنفسه أو لأحد ممن يعوله في أي شأن من شئونه، ويجب أن يصرف في المصالح العامة للمسلمين، من مدارس ومستشفيات وغيرها . وليس هذا من باب الصدقة وإنما هو من باب التطهر من الحرام.
ولا يجوز بحال ترك هذه الفوائد للبنوك الربوية، للتقوي بها، ويزداد الإثم في ذلك بالنسبة للبنوك في الخارج، فإنها في العادة تصرفها إلى ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، علمًا بأنه لا يجوز أن يستمر في التعامل مع هذه البنوك الربوية بفائدة أو بغير فائدة.
كما يطالب المجلس القائمين على المصارف الإسلامية أن ينتقوا لها العناصر المسلمة الصالحة، وأن يوالوها بالتوعية والتفقيه بأحكام الإسلام وآدابه حتى تكون معاملاتهم وتصرفاتهم موافقة لها انتهى نص القرار.
الفرق بين البنوك الإسلامية والبنوك الربوية:
إن التزام المصارف الإسلامية بالإسلام لا يكون أمرًا ثانويًا أو من نافلة القول ولكنه أمر أساسي؛ لأن هذه المصارف طالما أنها تسمت بهذا الاسم، واتصفت بهذه الصفة، ورفعت شعار الإسلام فمن الواجب عليها أن تتخذ من هذا الشعار وهذه الصفة، سلوكًا عمليًا شاملاً، لأن الإسلام لا يعترف بالشعارات البراقة ولا الدعاوى الكاذبة، ولكن الإسلام قول وتصديق وعمل كما ذكر ذلك علماء السلف والخلف ومن صور هذا الالتزام ما يلي:
1 – لا يمكن للبنك أن يقدم خدماته في صورة أنشطة تدخل في دائرة التحريم لما فيها من أضرار خطيرة تلحق بالمجتمع مثل أنشطة صناعة الخمور، وموائد القمار، والمخدرات، والبغاء، والصناعات التي تقوم على تربية وذبح وبيع لحوم الخنزير أو الميتة أو الدم، والابتعاد عن أي نشاط ينطوي التعامل فيه على ربا أو غش أو تدليس أو احتكارً وتزويرً واستغلال لحاجات الناس، أو تغرير أو غرر أو ميسر أو رشوة أو إفساد للذمم وتخريب للنفوس، أو أي نشاط يشوبه حرمة، ومن ثم تكون جميع معاملات البنك تدخل في دائرة الحلال، وتراعي بشكل شديد مبادئ الدين الحنيف، فلا غبن في الأجور، ولا ظلم للعاملين، ولا مصادرة لأرزاقهم؛ أو تسخيرهم كعبيد مقابل إطعامهم أو كسوتهم.
2 – البنك الإسلامي يقوم على العقيدة الإسلامية، ويستمد منها كيانه الفكري ومقومات التعامل المصرفي لديه، وتصبح معاملاته جميعها في إطار هذا الكيان الفكري الذي يقوم على أن الله خالق هذا الكون، وأن الملكية الموجودة في هذا الكون لله وحده، فالله مالك كل موجود فبما أنه سبحانه وتعالى موجده، وأنه مالك الملك؛ وأن البشر مستخلف فيه، ومن ثم فإن استخدام هذه الموجودات وبما فيها المال تتم في إطار شروط هذا الاستخلاف، وعلى هذا فمن الضروري أن تكون المنتجات والخدمات التي يتعامل معها البنك أو يمول مشروعاتها في دائرة الحلال.
3 – وكذلك مما يدخل في دائرة الالتزام بقواعد الشريعة الإسلامية عدم التعامل بالربا أخذًا أو إعطاءً لتوافر الأدلة على حرمة التعامل بالربا من الكتاب والسنة والإجماع
4 – حسن اختيار من يقومون على إدارة الأموال:
يتعين على البنك أن يبذل كافة الجهود اللازمة للتأكد من حسن اختيار الأفراد الذين سيتولون إدارة الأموال من بين موظفيه أو من بين عملائه الذين سيتم إتاحة الأموال لهم لإدارتها، حيث لا يجب أن يوكل أمر إدارة هذه الأموال لمن لا يصلح للقيام بهذه المهمة إعمالاً لقول الله سبحانه وتعالى: “ولا تؤتوا السفهاء أموالكم”.
5 – عدم أكل أموال الناس بالباطل:
عملاً بقول الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم”.
“ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقًا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون”.
6 – الصراحة والصدق والوضوح في المعاملات:
يلتزم البنك الإسلامي في معاملاته بالصدق والصراحة والوضوح والمكاشفة التامة بين البنك والمتعاملين معه وكذا المتعاملين فيه طالما كانت هذه المعاملات خاصة بالعميل ذاته، وليس بغيره من العملاء، إعمالاً لقول الحق عز وجل: “ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون”.
7 – عدم حبس المال وحجبه عن التداول واكتنازه:
يتعين على البنك الإسلامي أن يعمل على تنمية المال وإثماره باعتباره مستخلفًا فيه ووكيلاً عن أصحابه وتوظيفه الفعال لصالح المجتمع، وباعتباره أصلاً من أصوله التي يتعين تنميتها وإثمارها، وليس اكتنازها أو حجبها وحرمان المجتمع والأفراد الذين هم في حاجة إليها؛ تجنبًا لغضب الله –سبحانه وتعالى- وابتعادًا عن نواهيه –عز وجل- وخوفًا من قوله –سبحانه وتعالى-: “والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون”.
8 – خضوع المعاملات المصرفية للرقابة الإسلامية الذاتية والخارجية:
فالرقابة الإسلامية رقابة ذات شقين، شق ذاتي من داخل الفرد ذاته ومن وحي ضميره، ومن خلال تمسكه بدينه وخوفه من إغضاب الله –عز وجل- وشق آخر خارجي من خلال هيئة رقابة شرعية يتم اختيار أفرادها من الثقاة الراسخين في علوم الدين المشهود لهم بالنزاهة الشديدة والحرص.
بل يمكن القول إن الرقابة في المصارف الإسلامية هي رقابة شاملة محاورها متعددة تضم رقابة من الفرد على ذاته، ومن الفرد على العمل المصرفي الذي يتم، ومن المسئول عن العمل المصرفي على النشاط الاقتصادي الذي يتم تمويله، ومن الهيئة الرقابية الشرعية على كافة النشاط والأعمال المصرفية التي تتم، ومن الله سبحانه وتعالى على الجميع.
9 – أداء الزكاة المفروضة شرعًا على كافة معاملات البنك ونتائج الأعمال:
وذلك عملاً بقول الله تعالى: “خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم”.
ومن هنا فإن البنوك الإسلامية تقوم بتحصيل وتوزيع زكاة أموالها وأموال عملائها، ومن يرغب من المسلمين، وتقوم البنوك الإسلامية بإنفاقها في مصارفها الشرعية التي حددها الله –سبحانه وتعالى- في قوله: “إنما الصدقات للفقراء والمساكن والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم”.
10- تحقيق التوازن بين مجالات التوظيف المختلفة:
والتوازن يتم بين مجالات التوظيف قصير الأجل ومتوسط الأجل وطويل الأجل، وبين مناطق التوظيف المختلفة، حيث يتحقق التوازن الجغرافي، وفي الوقت ذاته توازن في مجال التوظيف وفقًأ للأولويات الإسلامية:
أ – الضروريات.
ب – الحاجات.
جـ- الكماليات:
والتوازن بين العائد الاجتماعي والعائد الاستثماري المادي .