يقول الدكتور محمد بكر إسماعيل-رحمه الله-الأستاذ بجامعة الأزهر :
الحِجامة والفَصْد وسيلتان لإفراغ الدم الفاسد من الجسم، بحيث يقوم الخبير بهما بتشريط مواضعَ معينةٍ من الجلد في أوقات معينة وبطريقة يعرفها أهلُ البادية أكثر من غيرهم، ولا يكاد يَعْرِف أهلُ الحَضَر في هذا العصر عن الحِجامة والفَصْد شيئًا، ولولا أنهم يقرأون عنها في كتب السنة وكتب الطب القديم ما سألوا عنها.
والفرق بين الحِجامة والفَصْد ذكره ابن منظور في “لسان العرب” وذكره غيره من أصحاب المعاجم اللغوية، قال في اللسان: “الحَجْم: المَصُّ. يقال: حَجَم الصبيُّ ثَدْيَ أمه. إذا مَصَّه. والحَجَّام: المَصَّاص. قال الأزهريّ: يقال للحاجم حَجَّام لامتصاصه فم المِحْجَمة، والمِحْجَم والمِحْجَمة: ما يُحْجَم به. والمِحْجَم بكسر الميم: الآلة التي يُجمَع فيها دم الحجامة عند المصّ. قال: والمِحْجَم أيضًا مَشْرَط الحَجَّام، وأما الفَصْد فهو ـ كما قال في لسان العرب ـ شَقُّ العِرْق لاستخراج الدم منه، فالحجامة تَستخرج الدم من نواحي الجلد، وهي تُنَقِّي سطح البدن أكثر من الفَصْد، والفَصْد أفضل لأعماق البدن.
ذكر هذا الفرق ابنُ القيم في زاد المعاد، ثم قال: “والتحقيق في أمرها وأمر الفَصْد أنهما يختلفان باختلاف الزمان والمكان والأسنان والأمزجة، فالبلاد الحارة والأزمنة الحارة والأمزجة الحارة التي دم أصحابها في غاية النضجِ الحجامةُ فيها أنفعُ من الفَصْد بكثير، فإن الدم يَنضَج ويَرِقّ ويخرج إلى سطح الجسد من الداخل فتُخْرِج الحجامة ما لا يُخْرِجه الفَصْد” (زاد المعاد 4/ 53 ـ 54).
وقد تَقَدَّم الطب في هذا العصر تقدمًا مذهلا واكتشف أدوية تَسُدُّ مَسَدَّ الحِجامة والفَصْد، فلم يعُد الأطباء ينظرون إليها كعلاج لأمراض الدم المُحْتَبَس في الجلد والعروق، حيث وجدوا البديل عن ذلك، ولكل داء دواء يُسْتَطَبّ به، وكما أن الأدواء تختلف من زمان إلى زمان ومن شخص إلى شخص تكون أدويتها مختلفة أيضًا.
وهناك بلاد عربية لا تزال تتمسك بهذا النوع من العلاج، لاسيما في البوادي والقرى النائية عن المدن المتحضرة، وهو نوع من العلاج الذي لا يُنْكَر نفعه لوروده في السُّنَّة، ولكن بشروط وقيود لابد من اعتبارها ومراعاتها.