يمكن تصنيف الأدعية في الصلاة إلى :-
1- الدعاء بما جاء في القرآن والسنة.
2- الدعاء بالأدعية المأثورة عن الصحابة والسلف عموما.
الدعاء بما ليس في القرآن ولا في السنة ولا في الأثر، وهو نوعان:-
3- دعاء يشبه الدعاء المأثور.
4- دعاء لا يشبه الدعاء المأثور.
أما الدعاء بما جاء في القرآن والسنة فهو جائز إجماعا إلا ما حكاه ابن بطال عن النخعي وطاووس فإنهما قصرا الجواز على ما جاء في القرآن فقط، وقد غضب أحمد بن حنبل حينما سئل عن هذا المذهب،
فقد قيل له : إن هؤلاء يقولون : لا يدعو في المكتوبة إلا بما في القرآن . فنفض يده كالمغضب , وقال : من يقف على هذا , وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله ﷺ بخلاف ما قالوا “رواه الأثرم.
وقد نسب غير واحد هذا المذهب أيضا لأبي حنيفة (أعني عدم الجواز إلا بما جاء من دعاء في القرآن) ولكن هذا ليس مذهبه على الصحيح، وسنبين ذلك بعد.
ولست أدري ماذا يمكن أن يقوله من قصر الدعاء على القرآن في أدعية السنة المأثورة عن النبي ﷺ ، التي ليست مقتبسة من القرآن فضلا عن أن يكون منصوصا عليها فيه. طالع هنا الأدعية المأثورة في الصلاة.
وأما الدعاء بالمأثور عن الصحابة والسلف فحكمه حكم النوع الأول، أي يجوز الدعاء به في قول عامة أهل العلم إلا من استثنينا ( أعني النخعي وطاوس).
وأما الدعاء بما يشبه المأثور، فالدعاء به محل خلاف بين العلماء، ولا بد من بيان المقصود بشبه الدعاء للمأثور قبل بيان مذاهب العلماء في حكمه.
يقصد الحنابلة بهذا المصطلح (الدعاء بما يتقرب به إلى الله عز وجل مما ليس بمأثور , ولا يقصد به ملاذ الدنيا ) فهو دعاء لنيل ما أعده الله لعباده الطائعين في الآخرة، ودعاء بصلاح الدين، وأما متع الدنيا من المال والدار والمتاع والزوجة والعمل والسفر و…فهذا لا يدخل فيه، بل يدخل في النوع الرابع. وقد تردد الحنابلة في حكم الدعاء بهذا النوع ، فظاهر كلام الخرقي وجماعة من الحنابلة أنه لا يجوز , ويحتمله كلام أحمد ; فإن الأثرم حكى عنه قال :” قلت لأبي عبد الله : إذا جلس في الرابعة يدعو بعد التشهد بما شاء ؟ قال : بما شاء لا أدري , ولكن يدعو بما يعرف وبما جاء “.
وحكى عنه ابن المنذر , أنه قال : لا بأس أن يدعو الرجل بجميع حوائجه ; من حوائج دنياه وآخرته . وقال ابن قدامة عن هذا القول الأخير : ” وهذا هو الصحيح , إن شاء الله تعالى ; لظواهر الأحاديث , فإن النبي ﷺ قال : ” ثم ليتخير من الدعاء ” , وقوله : ” ثم يدعو لنفسه بما بدا له ” . وقوله : ” ثم ليدع بعد بما شاء ” .
والحنفية أضيق المذاهب الأربعة في هذه المسألة ، فهم – على أوسع أقوالهم- يجوزون الدعاء بما جاء في القرآن وما جاء في السنة وما جاء على لسان السلف، وأما مالم يأت في واحد من هذه الثلاثة، فهو عندهم نوعان:-
الأول : ما لا يمكن طلبه إلا من الله ( مثل الهداية والمغفرة، والجنة والعياذ من النار) فهذا يجوز الدعاء به في الصلاة عندهم.
الثاني: ما لا يستحيل طلبه من الناس ( مثل المال ، والزواج من امرأة معينة ، وطلب وظيفة معينة) فهذا لا يجوز الدعاء به في الصلاة.
ومذهب الحنفية هنا مذهب عسير على غير أهل العلم، فالالتزام به يحتاج إلى معرفة الأدعية التي جاءت في القرآن والسنة والآثار، ومعرفة ما يمكن طلبه من الناس وما لا يمكن، فتفريعا على مذهبهم، يجوز أن يدعو المصلي لنفسه بالمغفرة ولأبيه ولعمه ولخاله؛ لأن الدعاء بالمغفرة وارد في القرآن ، ويجوز أن يسأل المصلي الله الحج لنفسه ولمن شاء؛ لأن الحج لا يٍسأل إلا منه سبحانه، ويجوز أن يسأل المصلي الرزق مطلقا لنفسه ولمن شاء؛ لأن الرزق لا يٍسأل إلا منه سبحانه، فإذا خصص الرزق بالمال فلا يجوز لأن المال يسأل من الله ومن الإنسان.
ومعنى هذا أن الدعاء بالنوع الأخير ممنوع عند الحنفية والحنابلة.
وأما عند المالكية والشافعية فيجوز الدعاء بما بدا للإنسان سواء أكان في القرآن أو في السنة أو لا[1].
ولكن ما الذي حدا بالحنفية والحنابلة إلى منع المصلي من الدعاء بما منعوه منه؟
السبب في ذلك ما فهموه من قوله ﷺ : ” إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن” رواه مسلم وغيره من حديث معاوية بن الحكم السلمي.
فقد فهموا منه أن ما يجوز طلبه من الناس كلام من كلام الناس؛ لأن الناس يتكلمون به فيما بينهم، وطلب ملاذ الدنيا من هذا النوع.
بينما رأى المالكية والشافعية أن هذا الحديث- حتى لو أخذت منه هذه الدلالة – فإن ثمة حديثا آخر يدل بوضوح على جواز أي دعاء ، ولا يقصره على دعاء دون آخر. ذلك ما رواه البخاري وغيره من حديث عبد الله بن مسعود قال : “عن عبد الله قال كنا إذا كنا مع النبي ﷺ في الصلاة قلنا السلام على الله من عباده السلام على فلان وفلان فقال النبي ﷺ لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام ولكن قولوا التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء أو بين السماء والأرض أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو.
ومما يدل كذلك على جواز كل دعاء في الصلاة أن السلف استحدثوا لأنفسهمأدعية لم تكن في القرآن ولا في السنة. وقد روى عن ابن عمر أنه قال: إنى لأدعو فى صلاتى حتى لشعير حمارى وملح بيتى، وعن عروة بن الزبير مثله.
وجاء عن أحمد بن حنبل أنه كان يقول في سجوده : ” اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصن وجهي عن المسألة لغيرك .
وقد روى أبو داود وغيره عن بعض أصحاب النبي ﷺ قال،قال النبي ﷺ لرجل: ” كيف تقول في الصلاة قال أتشهد وأقول اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ فقال النبي ﷺ حولها ندندن”.
فهذا رجل من صحابته يدعو بما يحسن دون أن يقيد نفسه بالمأثور فيقره رسول الله ﷺ.
وما أجمل ما حكاه ابن بطال عن ابن سيرين أنه قال: يجوز الدعاء فى المكتوبة بأمر الآخرة، فأما الدنيا فلا، فقال ابن عون: أليس فى القرآن: {واسألوا الله من فضله} [النساء: 32]؟، فسكت.
ومما يدل بوضوح على سؤال حاجات الدنيا والآخرة حديث الاستخارة ، ففيه: ” كان رسول الله ﷺ يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني قال ويسمي حاجته” ففيه الدعاء بحاجات الدنيا والآخرة وتسميتها من غير تخصيص.
وعلى ذلك فالراجح جواز الدعاء بخيري الدنيا والآخرة بأي صيغة شاء المصلي وإن كان الأولى الدعاء بالمأثور، ولا بأس كذلك من تحديد الشخص الذي يدعو له الإنسان وذكره بسمه، فقد ذكر النبي ﷺ جماعة بأسمائهم في الصلاة يدعو لهم ، وجماعة يدعو عليهم ، من ذلك ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال : ” وكان رسول الله ﷺ حين يرفع رأسه يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد يدعو لرجال فيسميهم بأسمائهم فيقول اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف،وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له”.
[1] – إلا الدعاء المحرم أصلا، كالدعاء بإثم أو قطيعة رحم، أو الاعتداء في الدعاء كطلب المستحيل.