الحياء الشرعي الممدوح الذي جعله الشرع شعبة من الإيمان هو الحياء الذي يمنع الإنسان من فعل المعايب ، ولا يمنعه من أداء الواجبات مثل النصيحة والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .
أما الحياء الذي يمنع من أداء الواجبات فهو ليس ممدوحا ، بل يكون حياء عرفيا بأصل الخلقة يجب على صاحبه تركه ليستطيع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
هل الحياء من الإيمان مطلقا أو مقيد:
قال المناوي في فيض القدير في معنى قوله ﷺ ( الحياء من الإيمان) :-
قال الزمخشري: جعل كالبعض منه لمناسبته له في أنه يمنع من المعاصي كما يمنع الإيمان من المعاصي .
وقال ابن الأثير: جعل الحياء وهو غريزة من الإيمان وهو اكتساب لأن المستحي ينقطع بحيائه عن المعاصي فصار كالإيمان الذي يقطع بينهما وبينه وجعله بعضه لأن الإيمان ينقسم إلى اتئمار بما أمر اللّه وانتهاء عما نهى عنه فإذا حصل الانتهاء بالحياء كان أخص الإيمان .
ثم قال المناوي :-
سئل بعضهم: هل يكون الحياء من الإيمان مقيدا أو مطلقا فقال: مقيد بترك الحياء في المذموم شرعاً . وإلا فعدمه مطلوب في النصح والأمر والنهي الشرعي فتركه في هذه الأشياء من النعوت الإلهية {إن اللّه لا يستحيي أن يضرب مثلاً}، {واللّه لا يستحيي من الحق} وأنشدوا:
إن الحياء من الإيمان جاء به * لفظ النبي وخير كله فيه
فليتصف كل من يرعى مشاهده * وليس يعرف هذا غير منتبه
مستيقظ غير نوام ولا كسل * مراقب قلبه لدى تقلبه
إن الحياء من أسماء الإله وقد * جاء التخلق بالأسماء فاحظ به
وأنشدوا في مدح ترك الحياء في المشروع:
ترك الحياء تحقق وتخلق * جاءت به الآيات في القرآن
فإذا فهمت الأمر يا هذا فكن * مثل اللسان بقية الميزان .
وقال المناوي في معنى قوله ﷺ : (الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان ) :-
أي الحياء الإيماني وهو المانع من فعل القبيح بسبب الإيمان ، لا النفساني المخلوق في الجبلة ، وأفرده بالذكر ؛ لأنه كالداعي إلى سائر الشعب ، فإن الحيي يخاف فضيحة الدنيا وفظاعة الآخرة فيزجر عن الآثام .
و من زعم أن الحياء قد يمنع الأمر بالمعروف فكيف يدعو إلى سائر شعب الإيمان يرد عليه بأن هذا المانع ليس بحياء حقيقة بل عجز وإعياء ، وإطلاق الحياء عليه مجاز.
وإنما الحياء الحقيقي خلق يبعث على تجنب القبيح.
و الحياء أشرف الخصال وأكمل الأحوال وأس خلال الكمال لكن ينبغي أن يراعي فيه القانون الشرعي فإن منه ما يذم كحياء من أمر بمعروف أو نهي عن منكر فإنه جبن لا حياء ومنه الحياء في العلم المانع للسؤال .
قال الزمخشري: جعل الحياء من الإيمان لأنه قد يكون خلقياً واكتسابياً لجميع أعمال البر ، وقد يكون غريزة ، لكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ، ونية فهو من الإيمان لهذا ولكونه باعثاً على أعمال الخير ومانعاً من المعاصي .
هل الحياء كله خير:
نقل الحافظ ابن حجر عن القاضي عياض قوله :-
إنما جعل الحياء من الإيمان وإن كان غريزة لأن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى قصد واكتساب وعلم، وأما كونه خيرا كله ولا يأتي إلا بخير فأشكل حمله على العموم، لأنه قد يصد صاحبه عن مواجهة من يرتكب المنكرات ويحمله على الإخلال ببعض الحقوق.
والجواب أن المراد بالحياء في هذه الأحاديث ما يكون شرعيا، والحياء الذي ينشأ عنه الإخلال بالحقوق ليس حياء شرعيا بل هو عجز ومهانة، وإنما يطلق عليه حياء لمشابهته للحياء الشرعي.انتهى.
أنواع الحياء:
يمكننا أن نقسم الحياء إلى نوعين :-
1- الحياء غير المكتسب وهو: ما كان فطرة وجبلة يمن الله به على من شاء من عباده ، وهو من أعظم النعم التي يجود بها الباري على من شاء من عباده ، لأنه لا يأتي إلا بالخير للعبد، قال ﷺ : الحياء لا يأتي إلا بخير”، فنرى كثيرا من الناس يكف عن القبائح والمعاصي ، وقد لا يكون ذلك تدينا، قال بعضهم : رأيت المعاصي نذالة فتركتها مروءة، فاستحالت ديانة .
2- الحياء المكتسب من معرفة الله وصفاته العظيمة الجليلة ، وإنه رقيب على عبادة لا تخفى عليه خافية، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهذا الحياء المكتسب من معرفة الله هو من خصال الإيمان ، قال ﷺ “دعه فإن الحياء من الإيمان، ” قال القرطبي : الحياء المكتسب هو الذي جعله الشارع من الإيمان وهو المكلف له دون الغريزي غير أن من كان فيه غريزة منه فإنها تعينه على المكتسب، إذ سلب العبد الحياء المكتسب وغير المكتسب ، لم يبق له ما يمنعه من الولوع في القبائح والمعاصي، ويصبح العبد شيطانا رجيما يمشي على الأرض بجثة آدمي نسأل الله السلام .
الحياء المذموم :
قال عياض وغيره : “والحياء الذي ينشأ عنه الإخلال بالحقوق ليس حياء شرعيا بل هو عجز ومهانة، وإنما يطلق عليه حياء لمشابهته للحياء الشرعي “، فالحياء الذي يؤدي بصاحبه في التقصير في حقوق الله ، فيعبد الله على جهل ولا يسأل عن دينه ، ويقصر في القيام بحقوقه ، وحقوق من يعول ، وحقوق المسلمين فهذا الحياء مذموم لأنه ضعف وخور.