من أهم سمات المجتمع المسلم أنه مجتمع عفيف، فتكوينه الرباني يجعل الحفاظ على المحارم والوقوف عند الحرمات من أهم سماته البارزة، و تكوين مجتمع المسلمين على مفهوم ” الأمة” يجعل الرابطة بينهم قوية ، كما يعد مفهوم ” الربانية ” من أهم العوامل التي تساعد المجتمع على ضبط أدائه الاجتماعي.
فأخوة الإسلام التي عبر عنها القرآن بقوله ” إنما المؤمنون إخوة”، والولاية بين المسلمين فيما بينهم رجالا ونساء ” والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض” تجعل حرص المسلم على أخته المسلمة من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها إلى الله ، بل تدفع المسلم إن رأى مسلما و مسلمة تعديا حدود الله أن يقوم بواجب النصح لهما ، امتثالا لأمر النبي ﷺ ” الدين النصيحة “، قلنا : لمن يا رسول الله؟ قال : لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم .
كما يعد الوازع الديني و رقابة الضمير، وتحقيق مقام ” المراقبة ” أنجح قانون وأنجع وسيلة لعدم التعدي على الحرمات، بل نعدها من إعجاز القرآن التشريع أن ينضبط سلوك الناس دون القانون الذي يضع العقاب، فالخوف من الله تعالى، وشؤم المعصية ، ومخافة الحساب والوقوف على الصراط ، ورد المظالم وغيرها من القيم الإيجابية في الدين تجعل المرء يخاف أن يتعدى حدود الله ، بل ” أولئك هم الظالمون”.
للوقاية من زنا المحارم:
من ذلك :
غرس النفرة الجنسية بين المحارم في الفطر والنفوس:
وإن كان الزنى – في حد ذاته – مستقبحا في النفوس والفطر، فإن الفطر السليمة تكاد تنكر وقوعه لو سمعوا به، وهذا دليل على أن الله فطر في النفوس قبحه والنفرة منه والابتعاد عنه .
ومن التدابير الوقائية أيضا تحريم الزواج بين المحارم ؛ وأدًا لكل شهوة عساها تثور بين رجل وامرأة يمكن لهما أن يتزوجا يوما ما. فحرم الإسلام على المسلم أن يتزوج جميع قريباته إلا بنات العم والعمة ، وبنات الخال والخالة ، وكذلك الرجل، وما عدا هؤلاء على التحريم، بل سماهن ” محارم”، ومن شأن الرجل أن يحمي حريمه ويذود عنهم، فيكون ذلك أدعى ألا يفكر في الاستمتاع بهن، وهو الذي يحميهن من أن يعتدى عليهن، فلا يتصور أن يعتدي هو عليهم ، بل لا يفعل ذلك إلا من خرج عن فطرته.
بل لم يكتف الإسلام بهذا الحاجز النفسي الذي غرسه في النفوس، ولا بالحكم التكليفي الذي وضعه تشريعا يمنع اقتراف الإثم، ولكنه حتى يسد كل باب يمكن أن تنفذ منه الشهوة بين المحارم أوجب ستر العورات بينهما، ولم يتوسع في القدر المعفو عن ستره بينهما حتى لا تقع العين على ما يهيج الجسد، ويحرك الشهوة، فيضعف مع هيجانها رقابة الضمير، أو يتلاشى الحاجز النفسي تحت ضغط الشهوة أو يضعف تحت وطأتها الملحة.
فقد رخص الإسلام للرجل أن يرى منهن ما يظهر غالبا أثناء مزاولة المهنة في بيتها كالعنق والشعر والقدمين والذراعين لسببين اثنين:-
الأول: لرفع الحرج ؛ لأنه لو كلف الرجل وهو يعيش مع محارمه في بيت واحد أن لا يرى منهم إلا الوجه والكفين لأدى ذلك إلى العنت والمشقة، وفي ذلك تعسير على الناس في حياتهم ، وإحراج لهم ، والشرع جاء بالتيسير ورفع الحرج.
الثاني : ثقة في الرجل بمحارمه، لأن الرجل يعتبر الحصن والملاذ والأمان بالنسبة لمحارمه.
وليس المقصود أنها تذهب خصيصا لتتزين وتظهر هذه الأشياء أمام محرمها، فإن هذا لا يجوز، والزيادة على هذه المواطن لا يجوز رؤيتها بحال، وعند عدم أمن الفتنة يمنع الرجل من رؤية كل هذا، وتمنع المرأة من إبداء شيء أمام من تخشى الفتنة في وجوده، وليس المقصود بالفتنة الزنا، ولكن مجرد الشهوة والتلذذ.
ولا زلت أذكر كلمة العلامة الصاوي المالكي منذ الصبا في طلب العلم، وهو يبين مذهب المالكية فيما يجوز كشفه بين المحارم حيث عرض لقول العلامة الدردير من فقهاء المالكية قبله : ” فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا( أي على المحرم) كَشْفُ صَدْرِهَا” فقال : ” وأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ رُؤْيَةَ مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ، وَذَلِكَ فُسْحَةٌ .” أي أن الحاجة ربما اقتضت أن ترضع الأم أو الأخت وليدها أمام محرمها لضيق المكان أو نحو ذلك.
ولقد بلغت الحيطة مداها، فاحتاط الإسلام من وقوع النظر على العورات ولو خطأ ، ففي موطأ مالك عن عطاء أن رجلا سأل رسول الله ﷺ فقال : استأذن على أمي ؟ فقال : ” نعم ” فقال الرجل : إني معها في البيت . فقال رسول الله ﷺ : ” استأذن عليها ” فقال الرجل : إني خادمها . فقال رسول الله ﷺ : ” استأذن عليها أتحب أن تراها عريانة ؟ ” قال : لا . قال : ” فاستأذن عليها ” . فانظر إلى تعليل وجوب الاستئذان، وهو الخوف من احتمال رؤية أمه عريانة.
التفريق بين المحارم في المضاجع:
و ما أحسن ما قاله العلامة الحنفي ابن عابدين: “إذا بلغ الصبي عشرا لا ينام مع أمه وأخته وامرأة ….. إلى أن قال: فالمراد التفريق بينهما عند النوم خوفا من الوقوع في المحذور ، فإن الولد إذا بلغ عشرا عقل الجماع ، ولا ديانة له ترده فربما وقع على أخته أو أمه ، فإن النوم وقت راحة مهيج للشهوة، وترتفع فيه الثياب عن العورة من الفريقين ، فيؤدي إلى المحظور وإلى المضاجعة المحرمة خصوصا في أبناء هذا الزمان فإنهم يعرفون الفسق أكثر من الكبار .انتهى.
وضع الشرع تدابير تحول دون رؤية المحارم بعضهم لعورات بعض حتى لو كانوا أطفالا:
ولا غرو أن ذهب بعض الفقهاء إلى منع الأبوين من ترك الطفل بينهما أثناء الاتصال الجنسي، حتى لا تعلق تلك الصور الجنسية في ذهنه منذ الصغر ، فتؤثر في سلوكه في الكبر، بل بلغ التحوط منتاه عند ابن عابدين منتها حينما قال : ” ويفرق بين الصبيان في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين ، ويحول بين ذكور الصبيان والنسوان وبين الصبيان والرجال ، فإن ذلك داعية إلى الفتنة ولو بعد حين.”
فأين هذا من أسرة مستهترة تتحلق جميعا لمشاهدة ممارسات جنسية فاضحة باسم مشاهدة الفن!
تشديد عقوبة الزنا بين المحارم:
ولذلك عظمت الشريعة عقوبة الزاني بمحارمه، فأشهرت في وجهه أعتى سلاح يمكن أن يصيب الإنسان إنه القتل.
فقال ابن حجر الهيتمي من فقهاء الشافعية في كتابه ” الزواجر”: وأعظم الزنا على الإطلاق الزنا بالمحارم.
وعن البراء بن عازب قال: لقيت خالي ومعه الراية فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله ﷺ إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله” رواه الخمسة.
وعلى رأي من قال إن من زنا بذات محرم منه فإن عليه حد الزنا، فهذا الرجل محصن، وقد اتفق العلماء في أن المحصن إذا زنا فإن حكمه في الشرع هو الرجم.
بل ذهب بعض العلماء إلى أن من زنى بمحرم من محارمه فيقتل ، سواء أكان محصنا أم لا ، تغليظا له في العقوبة ، وإن كان جمهور الفقهاء على أن عقوبة زنى المحارم هي عقوبة الزاني، فيجلد إن كان غير محصن، ويرجم إن كان محصنا.
ولهذا قال الإمام ابن القيم – رحمه الله – في كتاب: (الجواب الكافي) :
قد اتفق المسلمون على أن من زنا بذات محرم فعليه الحد، وإنما اختلفوا في صفة الحد هل هو القتل بكل حال أو حده حد الزاني على قولين، فذهب الشافعي ومالك وأحمد في إحدى روايتيه إن حده حد الزاني وذهب أحمد وإسحق وجماعة من أهل الحديث الى أن حده القتل بكل حال.أهـ