الله سبحانه وتعالى بعلمه وحكمته وضع للميراث نظاما دقيقا محكما لم تعرف البشرية له مثيلا، ومن ثم فلا يجوز التدخل في هذا النظام الإلهي بدافع شفقة أو رحمة، فالذي خلق هو الذي سن هذا القانون ومن ثم فلا يجوز الخروج على هذا النظام الذي شرعه الله، وعلى هذا فالتبرع بجميع التركة ظلم للورثة وحرمان لهم من حق أعطاهم الله إياه، وتقوى الله تعالى حال الحياة هي خير أمان للذرية بعد الممات.
يقول فضيلة الدكتور عبد العزيز عزام-أستاذ الفقه بجامعة الأزهر-:
الله ـ تعالى ـ يوصي كل من كان له أولاد صغار يخشى عليهم من بعده، ويريد أن يؤمِّن مستقبلهم حتى لا يتعرضوا للضياع، ولا يكونوا نهبة للطامعين الذين لا رحمة ولا شفقة في قلوبهم، فقال تعالى:( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافًا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديدًا ). فإذا اتقى الإنسان ربه، وتمكنت الرحمة في قلبه على غيره في حياته فلم يظلم أحدًا، وعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به، ويعاملوا أولاده من بعده، فإن الله يهيئ لأولاده الصغار من يتولى أمرهم بالتقوى، والرحمة، والحنان، فإن الجزاء من جنس العمل، وكما يدين المرء يدان.
ومن أجل ذلك أمر الله الناس بأن يتقوه في الأيتام، وأولاد الناس، وإن لم يكونوا في حجورهم، وأن يسددوا لهم القول، كما يريد كل واحد منهم أن يفعل بولده من بعده، فكأن الآية تقول للناس إن كنتم تخشون على أولادكم من بعدكم، فاتقوا الله في أولاد غيركم، فكما تخشون على ذريتكم، وتُسَرون بأن يحسن إليهم، فكذلك سددوا القول في جهة المساكين، واليتامى، واتقوا الله في ضررهم.
ولهذا فإن عمر بن عبد العزيز حينما قيل له وهو على فراش الموت: أوصِ لأولادك من بعدك، واترك لهم ما يغنيهم، فقال: إن ولدي واحد من اثنين: إن كان صالحًا فالله يتولى الصالحين، وإن غير ذلك فلا ينفعه ما أتركه له.
والله ـ سبحانه وتعالى ـ قد قسم المواريث، وحددها بنفسه، ولم يترك أمرها لأحد غيره، وقد بدأ المواريث بوصية الله للوالدين في أولادهم، فتدل هذه الوصية على أنه سبحانه أرحم وأبر وأعدل من الوالدين مع أولادهم، كما تدل على أن هذا النظام كله مرده إلى الله سبحانه، فهو الذي يحكم بين الوالدين وأولادهم، وبين الأقرباء وأقاربهم، وليس لهم إلا أن يتلقوا منه سبحانه، وأن ينفذوا وصيته وحكمه، وهذا هو الدين الذي أمر به، وحدود الله التي أقامها بين عباده، ومن فعل غير ذلك فقد ظلم، وتجاوز الحق والعدل، وحكم على نفسه وعلى غيره بالظلم، وعرَّض نفسه لغضب الله، ومقته.
وبناء على ذلك: فإن كتابة عقد بيع على سبيل التبرع القصد منه الضرر بالورثة، ومنع الحقوق حتى لا تصل إلى أصحابها الشرعيين، هذا ظلم لا يرضاه الله، فلا تفعل ذلك أيها المسلم، وإلا كنت ظالمًا، ثم إن الحياة والموت بيد الله، فلا تفعل ذلك يرحمك الله، وهذا لا يمنع من أن تساعد بناتك في حياتك، بما يزيد عن حاجتك بما يسرهما، ولا يجحف بحق الورثة.