يقوم الناس بالاحتفال بيوم المولد النبوي أو يوم مولد النبي في الثاني عشر من ربيع الثاني باعتبار أنه يوم ولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعظيما وتذكيرا بهذا اليوم العظيم، ولقد ولد النبي ﷺ عام الفيل، لما أرسل الله تعالى على جيش أبرهة الطير الأبابيل ترميهم بحجارة من سجيل، وكانت آية الفيل التي أظهر الله بها حرمة البيت الحرام، وولادة النبي ﷺ في هذا العام من دلائل نبوته وأعلام رسالته. ما هو يوم مولد النبي ﷺ؟ وما حكم الاحتفال بعيد المولد النبوي؟ ما هي بدع المولد النبوي؟
ما هو يوم المولد النبوي؟
يقام الاحتفال بالمولد النبوي في الثاني عشر من ربيع الثاني باعتبار أنه يوم ولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا ما بحثنا عن حقيقة هذا التاريخ نجد أنه لا يوجد نَصٌّ نبوي يدل على هذا التاريخ، فلم يتكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم البتة عن تاريخ ميلاده بل الذي ورد أنه ولد في يوم اثنين، أما ما وراء ذلك من التحديدات فلا تصح.
لكن في كتب السيرة النبوية نجد اجتهاد علماء السير والتاريخ يحاولون معرفة تاريخ مولده، إذ اختلفوا في تحديد سنة ولادته ﷺ والأكثرون على أن ولادته صلى الله عليه وآله وسلم كانت في عام الفيل، وإليه ذهب ابن عباس، قيل: بعد حادثة الفيل بخمسين يومًا، وقيل بخمس وخمسين يومًا، وقيل بشهر، وقيل غير ذلك.
واختلفوا كذلك في تعيين شهر ويوم مولده ﷺ، واختار الأكثرون أن هذه الأمور غير معلومة.
وهذا الاختلاف بين علماء السيرة يدل على عدم وجود أي دليل صريح في هذه المسألة بحيث يتفقون على يوم محدد.
كما لم يثبت نص في تحديد تاريخ مولده صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يسع أحد من الصحابة في معرفة تاريخ اليوم، بل الاحتفال به لا يراه الصحابة من الدين[1].
الاحتفال بعيد المولد النبوي
اختلف الناس في أول من احتفل بالمولد النبوي الشريف إلى ثلاثة أقوال:
1- أنَّ أول من احتفل بالمولد النبوي هم الدولة العُبيدية الفاطمية .وبهذا قال بعض المؤرخين، وكثير من المعاصرين.
قال العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي الحنفي مفتي الديار المصرية سابقاً في كتابة ‘أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة من الأحكام’ : إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله توجه من المغرب إلى مصر في شوال سنة (361هـ)، فوصل إلى ثغر الإسكندرية في شعبان سنة (362هـ) ودخل القاهرة لسبع خلون من شهر رمضان .. فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد أمير المؤمني علي بن أبي طالب، ومولد السيدة فاطمة الزهراء، ومولد الحسن، ومولد الحسين، ومولد الْخليفة الحاضر..”. وبهذا قال كثير من المعاصرين.
وصف الدكتور عبد المنعم سلطان فى كتابه عن “الحياة الاجتماعية في العصر-الفاطمي” الاحتفالات آنذاك فقال:
“اقتصر احتفال المولد النبوى فى الدولة العبيدية (الفاطمية) بعمل الحلوى وتوزيعها وتوزيع الصدقات، أما الاحتفال الرسمي فكان يتمثل فى موكب قاضي القضاة حيث تُحمل صواني الحلوى، ويتجه الجميع إلى الجامع الأزهر، ثم إلى قصر الخليفة حياث تلقى الخطب، ثم يُدعى للخليفة، ويرجع الجميع إلى دورهم. أما الاحتفالات التي كانت تلقى معظم الاهتمام فكان للأعياد الشيعية.
2 – أول من احتفل بالمولد هو: الملك المظفَّر صاحب إربل، أبو سعيد كُوكُبُري بن زين الدين علي بن بَكْتكِين.
قال ابن الجوزي رحمه الله: وأول من أحدثه من الملوك الملك المظفر أبو سعيد صاحب أربل وألف له الحافظ ابن دحية تأليفا سماه “التنوير في مولد البشير النذير”، فأجازه الملك المظفر بألف دينار وصنع الملك المظفر المولد، وكان يعمله في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا، وكان شهما شجاعا، بطلا عاقلا، عالما عادلا..
قال سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان: (حكى) لي بعض من حضر سماط المظفر في بعض المواليد فذكر أنه عد فيه خمسة آلاف رأس غنم شواء، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زبدية وثلاثين ألف صحن حلوى، وكان يحضر عنده في الموالد أعيان العلماء والصوفية، فيخلع عليهم، ويطلق لهم البخور، وكان يصرف على الموالد ثلاثمائة ألف دينار[2].
وقال ابن خَلَكان في معرض ترجمة صاحب إربل :
وأما احتفاله بمولد النبي ﷺ، فإن الوصف يقصر عن الإحاطة به، لكن نذكر طرفا منه: وهو أن أهل البلاد كانوا قد سمعوا بحسن اعتقاده فيه، فكان في كل سنة يصل إليه من البلاد القريبة من إربل – مثل بغداد والموصل والجزيرة وسنجار ونصيبين وبلاد العجم وتلك النواحي – خلق كثير من الفقهاء والصوفية والوعاظ والقراء والشعراء، ولا يزالون يتواصلون من المحرم إلى أوائل شهر ربيع الأول، ويتقدم مظفر الدين بنصب قباب من الخشب كل قبة أربع أو خمس طبقات، ويعمل مقدار عشرين قبة وأكثر، منها قبة له، والباقي للأمراء وأعيان دولته لكل واحد قبة، فإذا كان أول صفر زينوا تلك القباب بأنواع الزينة الفاخرة المستجملة..[3]
3- – القول الثالث وهو قريب من القول الثاني، وهو: أول من احتفل بالمولد هو الشيخ: عمر بن محمد الملا، بالموصل.
قال أبو شامة: وكان أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ: عمر بن محمد الملا، أحد الصالحين المشهورين، وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيره، رحمهم الله تعالى.
ويظهر من خلال الأقوال المذكورة أن أول وأقدم من أحدث هذا الأمر وهو الاحتفال بالمولد النبوي هو الدولة العبيدية الفاطمية، وقد نسب إليهم هذا العيد عند أكثر العلماء منهم المقريزي وغيره.
أحياء ليلة المولد النبوي:
يقول الشيخ حسنين مخلوف مفتي مصر الأسبق -رحمه الله- :
إن إحياء ليلة المولد الشريف وليالي هذا الشهر الكريم الذي أشرق فيه النور المحمدي إنما يكون بذكر الله ـ تعالى ـ وشكره لِمَا أنعم به على هذه الأمة من ظهور خير الخلق في عالم الوجود، ولا يكون ذلك إلا في أدب وخشوع وبُعْد عن المحرمات والبدع والمنكرات. ومن مظاهر الشكر إطعام الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا، ومواساة المحتاجين بما يُخَفِّف ضائقتهم وصلة الأرحام.
والإحياء بهذه الطريقة وإن لم يَكُن مأثورًا في عهده ـ صلى الله وعليه وسلم ـ ولا في عهد السلف الصالح إلا أنه أَمْر لا بأس به وبدعة حسنة.
قال صاحب المدخل بعد أن أشار إلى ما يرتكبه العامة في ليلة المولد من البدع السيئة: (وكان يجب أن يُزَادَ في هذا الشهر الكريم الذي مَنَّ الله علينا فيه بسيد الأولين والآخرين من العبادات والخير شكرًا للمولى ـ سبحانه ـ على ما أَوْلَانَا من هذه النعم العظيمة، وإن كان ـ ﷺ ـ لم يَزِد فيه على غيره من الشهور شيئًا من العبادات.
وما ذاك إلا لرحمته بأمته ورِفْقِه بهم؛ لأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يترك العمل خَشْيَةَ أن يُفْرَض على أمته رحمة منه لهم، لكن أَشَار ـ عليه الصلاة ـ إلى فضيلة هذا الشهر العظيم بقوله لمن سأله عن صوم يوم الاثنين: (ذلك يوم وُلِدْتُ فيه) فتشريف هذا اليوم يَتَضَمَّن ضمنًا تشريفَ هذا الشهر الذي وُلِد فيه، فينبغي أن نَحْتَرمه حق الاحترام، ونُفَضله بما فَضَّل الله به الأشهر الفاضلة، وفضيلة الأزمنة والأمكنة بما خَصَّها الله تعالى به من العبادات التي تُفْعَل فيها، وكان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يَخُصُّ الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البر فيها وكثرة الخيرات.
البدع والمخالفات في ليلة المولد النبوي:
يقوم بعض الناس يَنصِبون خشبة طويلة أمام المساجد ويُزَيِّنُونها بالبَيَارِق ويُغَنُّون ويَرْقُصون حَوْلَها كل ليلة من أول شهر ربيع الأول. وفي ليلة الثاني عشر منه (ليلة المولد) يذبحون عندها الذبائح ويجتمع الرجال والنساء للرقص واللهو، ويحضر معهم شيخهم وبعد صلاة العشاء يدخلون المسجد ثم يقرؤون قصة المولد ويُنشِدون قصائد، وقد تكون معهم مزامير. فإذا طَلَع النهار يَذْبحون ذبائح أخرى ويجتمعون للأكل ثم يأخذون بَيَارِقَهم ويَطُوفون حول البلد بنسائهم وهم يُنشِدون القصائد والنساء تُزَغْرِد حتى إذا انتَهَوا إلى هذه الخشبة أَقْبَل عليها الناس يُقَبِّلُونَها.
فهذه كلها بِدَع منكرة لا أصل لها في الدين، فلا يجوز نصب هذه الخشبة لذلك أمام المساجد، ولا تعليق البيارق عليها، ولا الرقص ولا الغناء حولها، ولا اختلاط النساء بالرجال في هذه الليالي، ولا فعل شيء من ذلك في المساجد فضلًا عن المزامير ولا الطواف حَوْل البلد بهذه الطريقة، ولا تَقْبِيل الخشبة المنصوبة.
ومن المخالفات ما يكون من أناشيد تخالف بألفاظها العقيدة الصحيحة وما جاء به النبي ﷺ ومن بدع ومنكرات لا يقر بها الشرع.
والواجب على المسلمين الكَفُّ عن هذه البدع والإقلاع عن هذه العادات وتجريد ذكر المولد الشريف من كل ما ينافي جلاله وتعظيمه واحترامه وتوقيره.
يَا عُصْبَةً مَا ضَرَّ أُمَّةَ أَحْمَدٍ وَسَعَى إِلَى إِفْسَادِهَا إِلَّا هِي
طَارٌ وَمِزْمَارٌ وَنَغْمَةُ شَادِنٍ أَرَأَيْتَ قَطُّ عِبَادَةً بِمَلَاهِي
وإن التَّبِعَة الكبرى في هذه المنكرات على من نَصَّبُوا أنفسهم منصب القدوة، وسَلَّم العامةُ لهم قِيَادَهم فلم يوجهوهم للخير والعمل الصالح، ولم يُرشدوهم إلى حُكْم الدين بل زينوا لهم البدع باسم الدين حتى تَمَكَّنَت في نفوسهم، وأصبحت عقائد راسخة في قلوبهم، وتَعَذَّر على المُصلِحين معالجة أمورهم ورَدُّهم عن هذا المنكر إلى المعروف. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.