الجالس على الكرسي يجب عليه المحاذاة بالمنكب ( المعبر عنه بالكتف في لغة الناس ) لا القدم،وذلك يقتضي إدخال معظم الكرسي في الصف الأمامي لا الخلفي؛ وإنما كان ذلك لتعاهد النبي صلى الله عليه وسلم مناكب الصحابة بالتسوية.

يقول الدكتور خالد بن سعود الرشود- من علماء المملكة العربية السعودية:

فالجواب على هذا الموضوع من وجوه:

الأول: اتفق أهل العلم على أن من المطلوب شرعاً في الصلاة تسوية الصف، لحديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة” متفق عليه، ولفظ مسلم “من تمام الصلاة” وروى البخاري عن أبي هريرة نحوه.

واختلف أهل العلم في حكم تسوية الصف، فقال جمهورهم. إنه مستحب لهذا الحديث، وقال بعض الشافعية وبعض الحنابلة إنه واجب، لحديث النعمان بن بشير قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح، حتى رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوماً فقام حتى كاد يكبر، فرأى رجلاً بادياً صدره من الصف، فقال: عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم” وحديث أنس المتفق عليه: “أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري”. قالوا هذا وعيد مقترن بأمر فدل على الوجوب وإثم من تركه، ومال إليه البخاري في الصحيح، حيث ترجم عليه باب: إثم من لم يقف الصف. ورجحه ابن تيمية من الحنابلة، وابن حجر من الشافعية، ولعل هذا هو الأقوى والأرجح لموافقته الدليل؛ ولأن هذا أمر مطلق لا صارف له عن الوجوب فيبقى على الأصل.

ولكن هل ترك التسوية يبطل الصلاة؟ احتمال في المذهب مال إليه ابن تيمية كما في الفروع لابن مفلح: أن الصلاة تبطل، ورجح ابن حجر عدم البطلان لحديث أنس بن مالك في صحيح البخاري أنه قدم المدينة فقيل له: “ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما أنكرت شيئاً إلا أنكم لا تقيمون الصفوف” قال ابن حجر العسقلاني: ومع القول بأن تسوية الصف واجبة فصلاة من خالف ولم يسو صحيحة، ويؤيد ذلك: أن أنسا مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة. قلت وليس في ذلك قرينة قوية صارفة عن البطلان، ومع ذلك فإنه يجب الاحتراز من عدم التسوية لما فيه من تعريض صلاته للبطلان.

الثاني: أن الأصل في المساواة في الصف يكون بأمرين:
أ- أحدهما: التساوي في المناكب –والمناكب جمع منكب،وهو مجتمع رأس العضد والإبط، والإبط ما تحت الجناح- ويدل لذلك ما يلي:
1- عن أبي مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم “يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلني منكم أولو الأحلام والنهي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. قال أبو مسعود: فأنتم اليوم أشد اختلافاً” رواه مسلم.
وقال ابن خزيمة في صحيحه بعد أن روى الحديث: هذا حديث وكيع، وفي حديث أبي أسامة وابن أبي عدي قال يسوي مناكبنا، وفي حديث محمد بن جعفر قال يمسح عواتقنا. ا.هـ والعاتق الكتف.

2- وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أقيموا الصفوف فإنما تصلون بصفوف الملائكة، وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولا تذروا فرجات الشياطين، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله” رواه أبو داود والنسائي وأحمد وصححه ابن خزيمة.

3- عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفس محمد بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنه الحذف “يعني أولاد الغنم” رواه ابن خزيمة في صحيحه.

ب- والثاني : إلزاق الأكعب بعضها ببعض مع التساوي في المناكب ويدل عليه:
1-حديث النعمان بن بشير قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال: أقيموا صفوفكم ثلاث والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم قال فلقد رأيت الرجل منا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وكعبه بكعبه. والحديث في الصحيحين، وأخرج الإلزاق منه أبو داود، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، ورواه البيهقي في السنن الكبرى، وروى البخاري في الصحيح قطعة الإلزاق منه معلقاً بصيغة الجزم. وأتبعه بحديث أنس الآتي: قال ابن عبد البر في التمهيد (24/257)، والكعب هو (العظم) الناتئ في أصل الساق.

2-عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أقيموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه” رواه البخاري في الصحيح.

3- ما رواه عبد الرزاق في المصنف عن أبي عثمان قال: رأيت عمر إذا تقدم إلى الصلاة نظر إلى المناكب والأقدام، وروى أيضاً عن عثمان بن عفان أنه كان يقول: سووا صفوفكم وحاذوا المناكب. وروى أيضاً عن داود بن حصين مولى عمر قال: كان عثمان يقول: وأعدلوا الصفوف وصفوا الأقدام وحاذوا المناكب.

ومعنى المحاذاة هو التساوي في التقابل لا التساوي في الارتفاع؛ لأن الناس يختلفون في الطول والقصر والتساوي في الارتفاع متعذر فتعين التساوي في التقابل بأن يكون منكب المصلي يقابل المنكب الآخر للمصلي بنفس الدرجة بلا تقدم ولا تأخر.

وعند التحاذي في المناكب يقع يقيناً التحاذي بالأكعب؛ لأن الكعب مسامت للمنكب عند التأمل والعكس صحيح. والمقصود بالأقدام في الأحاديث السابقة هو الأكعب لا أطراف الأصابع، وحديث أنس يفسره حديث النعمان وأحاديث الأمر بالتسوية؛ لأن اعتبار التساوي في أصابع القدم يوجب تقدم ذي الرجل القصيرة على ذي الرجل الطويلة وبروزه من الصف فيكون داخلاً في حديث النعمان في الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم وقد برز صدره عن الصف فعلم أن المقصود بالتساوي بالأقدام هو الأكعب لا الأصابع وهذا المعنى لا أعلم فيه خلافاً. وما يقع من الناس من مراعاة التساوي بالأصابع مخالف للأحاديث السابقة، ومؤدي للاختلاف في الوجوه والقلوب.

الوجه الثالث: أن الجالس على الكرسي يجب عليه المحاذاة بالمنكب دون القدم للأسباب التالية:
1- المحاذاة بالقدم توجب خروجه عن الصف ورجوعه عنه مما يخل بانتظام الصف وتسويته، ويكون داخلاً في الوعيد ومستحقاً للإثم، لهذا قال صلى الله عليه وسلم: “أو ليخالفن الله بين وجوهكم” والمعنى اختلاف الوجوه حامل على اختلاف القلوب والتباغض، وهذا يحصل عند من يجلس على كرسي محاذٍ بقدمه لمن هو بجانبه فهو في الواقع بين الصفين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.

2-فعل النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يمسح المناكب بيديه كما في حديث أبي مسعود وأمره بالمحاذاة بالمناكب دون ذكر الأكعب أو الأقدام كما في حديث ابن عمر، فدل على اعتبار المنكب أصلاً في المساواة يتبعه الكعب لا العكس.

3-أن أسفل الجسم تابع لأعلاه بداهة، والناس في أمور حياتهم العامة إنما يتحاذون ويتقابلون بأعلى أجسامهم ويتبعها أسفلها لا العكس.

4- أن المحاذاة تكون بالمناكب والأكعب، فإن تعذر أحدهما قدم المنكب، فإن تعذر المنكب –لانحناء الجسم- مثلاً انتقلنا للمحاذاة بالكعب.

والإشكال هنا فيمن يقوم ويقعد فهو يكبر مع الإمام قائماً، ثم إذا أراد الإمام الركوع جلس فكيف تتم مصافته؟ هل على اعتبار كونه جالساً مع أنه إذا قام تقدم في الصف؟ أو على اعتبار كونه قائماً مع أنه إذا جلس تأخر عن الصف إذا اعتبرنا مصافته على حال القيام؟
فالجواب أن على هذا المصلي أن يستقر على حالة واحدة مراعاة لمصلحة تسوية الصف، فإن أمكنه الوقوف لم يجز له الجلوس على كرسي،وإن أمكنه الوقوف لكن لا يمكنه القعود والسجود ونحوها ننظر هل يستطيع الجلوس متربعاً على الأرض دون الكرسي ويشير بالركوع والسجود أو لا؟ فإن أمكنه ذلك قلنا له لا تجلس على الكرسي لإمكان تحصيل مصلحة القعود والوقوف سواء دون الإخلال بالصف وإن لم يمكنه ذلك قلنا: له أن يجلس على الكرسي ويبدأ صلاته عليه وينهيها عليه دون تغيير وضعيته لأن النبي صلى الله عليه وسلم سقط من فرس فجحش شقه أي جرح جنبه فصلى قاعداً جميع صلاته، ولأن التنقل من حال إلى حال والاشتغال بالكرسي فيه تضييع لجانب الطمأنينة في الصلاة، وموجب لكثرة الحركة فيها، كما أن فيه إيذاء لغيره من المصلين، وإحلالاً بالصف.