الصلاة لا تُثمر ثمرتها من النهي عن الفحشاء والمنكر ، واقتلاع بذور الشرِّ من النفْس إلا إذا كانت ذات خُشوع وتوجُّهٍ كامل ، وعدم الخشوع لا يؤثر في صحة الصلاة وإنما يقلل من أجرها ، وعلى المسلم أن يجاهد نفسه للخشوع .
يقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق-رحمه الله-:
طلب الله من المُؤمنين الصلاة، وحثَّ فيها على الخشوع وكمال التوجه إليه ـ سبحانه ـ: (حافِظُوا علَى الصلَوَاتِ والصلاةِ الوُسْطَى وقُومُوا للهِ قَانِتِينَ). (الآية: 238 من سورة البقرة) وفُسرت الصلاة الوسطى بالصلاة الفُضْلى. وهي ذات الخُشوع والتوجُّه الكامل إليه ـ سبحانه ـ وربط الله بالصلاة الخاشعة فلاحَ المؤمنين (قد أفْلَحَ المُؤمنونَ الذينَ همْ فِي صلاَتهِمْ خَاشِعُونَ). (أوائل سورة المؤمنون).
والصلاة لا تُثمر ثمرتها من النهي عن الفحشاء والمنكر، واقتلاع بذور الشرِّ من النفْس إلا إذا كانت ذات خُشوع وتوجُّهٍ كامل.
لا يُكلِّف الله نفسًا إلا وُسْعَهَا:
ولكن الله ـ وهو العليم بطبائع ما خلَق ـ علِم عُسْرَ الخُشوع القلبي على الإنسان، وعلم أن شُرود الفكر عنده غالبٌ عليه، فاجتزأ منه في صحة الصلاة، وخُروجه عن عُهدتها، أن يُؤديها تامة الشروط والأركان، وأن يتَّجه إليه بالتكبير قاصدًا وجهه، مُستشعرًا عظمته، ثم رغَّب إليه أن يُحارب ما يغلب عليه من الشواغل القلبية والخطَرات النفسية التي تَحُول بينه وبين الشعور بلذَّة الصلاة الروحية، وأعْلمه على لسان رسوله بأن اشتغال الفِكر أثناء الصلاة بغير جلال الله مِن وَسْوَسَةِ الشيطان وزعزعة النفس، وعدم الصبر في مُكافحة هذه الخطرات.
وقد صوَّر الرسول هذا المعنى أبلغ تصوير ـ ليس في الصلاة فقط بل فيها وفي تلبية ندائها، والإسراع إليها ـ وذلك فيما رُوي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ ﷺ ـ قال: “إذا نُودي بالصلاة أدْبَر الشيطان وله حصاص. “كناية عن النُّفْرَة التي تَصُمُّ الآذان”. حتى لا يسمع الأذان، فإذا قُضي الأذان أقبلَ، فإذا ثُوِّبَ بالصلاة “أُقيمتْ” أدْبر، فإذا قُضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول. اذْكُر كذا اذكر كذا، ما لم يكن يذكر حتى يضلَّ الرجلُ أن يدري كم صلَّى، فإذا لم يدرِ أحدُكم أثَلاثًا صلَّى أم أربعًا فلْيَسْجُد سجدتينِ وهو جالس”. يُريد سجدة السهْو.
واجب المسلم تجاه الوسْوسة:
أرشدنا الحديث إلى حديث النفس في الصلاة بما يصرِف القلب عن الموقف من عمل الشيطان، ومن البيان أن عمل الشيطان ممَّا يجب على المسلم مُكافحته في صلاته وفي حياته.
وأرشدنا رحمةً بنا، نَظَرًا لعُسرة الموقف إلى صحة الصلاة التي استوعب التفكير جزءًا منها.
فعلَى المسلم إذنْ أن يذكر إذا وقف بين يدي الله وكبَّر للصلاة أن الشيطان في زعْزعة نفسه واقفٌ له بالمرصاد فلْيَعْتَصِمْ بذِكْرِ الله، ولْيتدبَّر ما يُجريه على لسانه مِن تكبير إذا قام أو ركع، وتسبيح وحمْد إذا رفع أو سجد، وقراءة ما قرأ. عليه أن يُروض نفسه على ذلك المرَّة بعد الأخرى حتى يصير شأنُه، وحتى يسدَّ على نفسه مسالك تلك الوسوسة التي تَسْلُبُه ـ إذا استمرت ـ رُوحَ الصلاة، وتجعلها صورةً جافَّةً لا تصعد بالنفس، ولا تُزَكِّي الروح.
هذا وقد عُلم أن من خواص النفس البشرية أنها لا تتَّجه في وقت واحد إلا إلى شيءٍ واحد، وأنها إذا حُصرت في دائرته لا يصل إليها غيره، وأن الحواسَّ متى رُبطت بمَواقعَ مُعيَّنة تبِعها التفكير وانحصر في دائرتها.
ومن هنا قال العلماء الذين حاربوا الوسوسة فغَلبوها: فينبغي للمُصلي أن ينظر إلى موْضع سُجوده وهو قائم، وإلى ظهر قدِمه وهو راكع ، وإلى أرنبة أنفه وهو ساجد ، فيربط حواسه بهذه المواقع ، ويحصر فكره في تدبُّر ما ينطق به مِن تكبير وتسبيح وقراءة ، وبذلك نرجو أن تَكمل للمسلم صلاتُه ويحظَى فيها بلذَّة السُّمُوِّ الروحي، وقُرَّةِ العين التي كان يَجِدُها الرسول في الصلاة.