معنى “الطيب” في اللغة:
الطَّيب خلاف الخبيث .
وتتسع معانية فيقال : أرضٌ طيبة : للتي تصلح للبنات ، وريح طيبة : إذا كانت لينةً ليست بشديدةِ ، وطُعْمةٌ طيبة : إذا كانت حلالاً ، وامرأةً طيبة : إذا كانت حَصاَناً عفيفة ، وكلمة طيبة : إذا لم يكن فيها مكروه ، وبلدة طيبة : أي آمنة كثيرة الخير ، ونكهة طيبة : إذا لم يكن فيها نتن ، ونفس طيبة : إذا كانت بما قُدِّر لها راضية .
وقد يرد الطَّيب بمعنى : الطاهر ، ومنه حديث على رضي الله عنه قال : لما غسّل النبي ﷺ ذهب يَلْتمس منه ما يَلتمس من الميت فلم يجده ، فقال : بأبي الطَّيِّبُ ، طبِتَ حياًّ وطبت ميِّتا )) .
اسم الله “الطيب” في السنة النبوية:
ورد في أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول ﷺ : (( أيها الناس ، إن الله طيِّبٌ ولا يَقْبلُ إلا طيباً ، وإن الله أَمَر المؤمنين بما أَمر به المرسلين ، فقال ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُو مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [ المؤمنون: 51] وقال : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُو مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [ البقرة: 172] ثم ذكر الرجل يُطيلُ السفر أَشعتَ أَغبر ، يمدُّ يديه إلى السماء ، يا ربِّ يا ربِّ ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام وغُذِّي بالحرام ، فأنَّى يُستجاب لذلك )) .
معنى “الطيب” في حق الله تبارك وتعالى:
قال القاضي عياض : الطيِّب في صفة الله تعالى بمعنى : المُنزَّه عن النقائص ، وهو بمعنى القدوس ، وأصل الطيب : الزكاة والطهارة والسلامة من الخبث .
وفي تحفة الأحوذي : ومعنى الحديث أنه تعالى منزهٌ عن العيوب ، فلا يَقبل ولا ينبغي أن يُتقرَّب إليه إلا بما يناسبه في هذا المعنى ، وهو خيار أموالكم الحلال .
من آثار الإيمان باسم الله “الطيب”:
1- إن الله تعالى يوصف بالطِّيبِ ، والتَّنزه عن الخبث والنقائص والعيوب .
وهو موجود في الكلام على اسم الله القدوس .
2- وأنه سبحانه وتعالى طيب لا يقبل إلا الطيب ولا يصعد إليه من الأقوال والأعمال ، ولا ينبغي أن يتقرب إليه العباد إلا بالطيب من ذلك .
قال عز وجل : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَات مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُوا فِيهِ واعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌ حَمِيدٌ ﴾ [ البقرة : 268] .
وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال : (( من تصدَّق بعَدْل تمرةٍ من كسبٍ طيب – ولا يقبل الله إلا الطيب – فإن الله يتقبَّلها بيمينه ثم يُربيها لصاحبها كما يُربِّي أحدكم فلوَّه ، حتى تكون مثل الحبل )) .
فلا يقبل الله تعالى الصَّدقة بالحرام ، لأنه تصرفٌ فيما لا يملك ، فمن تصدَّق من ربا أو سرقة أو غلولٌ فإن الله تعالى لا يقبله ، كما قال ﷺ : (( لا تُقبلُ صلاةٌ بغير طُهور ، ولا صدقةٌ من غُلُول )) .
وكذلك كل الأقوال والأعمال لا يقبل الله عز وجل منها إلا الطيب الصالح ، قال عز وجل ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمَ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعَهُ ﴾ [ فاطر : 10]
والكلم الطيب قيل هو : لا إله إلا الله ، وقيل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، وقيل هو : القرآن .
والمختار أنه كل كلام هو ذكر الله تعالى ، أو هو لله سبحانه كالنصيحة والعلم .
وفي حديث التشهد : (( التحيَّاتُ لله والصَّلواتُ والطَّيِّباتُ …..))
أي : أن التحيات والصلوات والكلمات الطيبات مستحقةٌ لله تعالى ، ولا تصلح غيرها له سبحانه وتعالى .
3- وكذا الطيبون أهل الإيمان به عز وجل ومن اتبع رضوانه وعَمَر قلبه بمحبته ، فإنهم لا يُحبون إلا الطَّيب من القول ، ولا يتكلمون إلا بالحسن من الكلام ، كما قال الله تعالى في وصفهم: ﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ للْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ للطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [النور: 26]
قال مجاهد وابن جبير وأكثر المفسرين : المعنى : الكلماتُ الخبيثاتُ – من القول – للخبيثين من الرجال ، وكذا الخبيثون من الناس للخبيثات من القول ، وكذا الكلمات الطيبات من القول للطيبين من الناس ، والطَّيبون من الناس للطيبات من القول .
وقيل المعنى : الخبيثاتُ من النساء للخبيثين من الرجال ، وكذا الطيبات للطيبين .
4- أخبر عز وجل أنه يهدي أهل الجنة للكلمات الطيبة ، ويحفظ لسانهم عن الخبيث من القول ، سبحانه : ﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيٍّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ [الحج ] فإنهم كما جاء في الحديث الصحيح : (( يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس ))
وقد قال بعض المفسرين في قوله : ﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ أي : القرآن ، وقيل : لا إله إلا الله ، وقيل : الأذكار المشروعة .
وهو لا ينافي الأول فإن الهداية لهذا : سَبَبٌ لدخول الجنة ، فإن الجنة لا يدخلها إلا من هداه الله تعالى للطيب من القول ، ولا إله إلا الله : مفتاح الجنة .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : ولما كان الشركُ أعظمَ الدواوين الثلاثة عند الله عز وجل حرّم الجنة على أهله ، فلا تدخل الجنة نفسٌ مشركةٌ ، وإنما يدخلها أهلُ التوحيد ، فإن التوحيد ، هو مفتاح بابها ، فمن لم يكن معه مفتاح لم يُفتح له بابها ، وكذلك إن أتى بمفتاح لا أسنان له لم يمكن الفتح به ، وأسنان هذا المفتاح هي : الصلاة ، والصيام ، والزكاة ، والحج ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وصدق الحديث ، وأداء لأمانة ، وصلة الرحم ، وبر الوالدين ، فأي عبدٍ اتخذ في هذه الدار مفتاحاً صالحاً من التوحيد ، وركَّب فيه أسناناً من الأوامر ، جاء يوم القيامة إلى باب الجنة ومعه مفتاحها الذي لا يفتح إلا به ، فلم يَعُقْه عن الفتح عائق ، اللهم إلا أن تكون له ذنوبٌ وخطايا وأوزار لم يذهب عنه أثرها في هذه الدار بالتوبة والاستغفار ، فإنه يحبس عن الجنة حتى يطهر منها ، وإن لم يطهره الموقف وأهواله وشدائده ، فلا بدَّ من دخول النار ليخرج خبثه فيها ، ويتطهَّر من درنه ووسخه ثم يخرج منها ، فيدخل الجنة ، فإنها دار الطيبين لا يدخلها إلا طيب.
قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَة طَيِّبِنَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُو الْجَنَّةَ ﴾ [النحل: 32] وقال تعالى : ﴿ وَسِيقَ الَّذينَ اتَّقَوْ رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّة زُمْرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُم فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [ الزمر: 73]
فعقَّبَ دخلوها على الطيب بحرف (( الفاء )) الذي يؤذن بأنه سبب ، أي : بسبب طيبكم قيل لكم : ادخلوها .
وأما النار، فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال ، والمآكل والمشارب ، ودار الخبيثين ، فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فَيَركمه كما يركم الشيء لتراكب بعضه على بعض ، ثم يجعله في جهنم مع أهله ، فليس فيها إلا خبيث .
ولما كان الناس ثلاث طبقات : طيِّب لا يشينه خبث ، وخبيث لا طيب فيه ، وآخرون فيهم خُبُثٌ طيب ، كانت دورهم ثلاثة : دار الطيب المحض ، ودار الخبيث المحض وهاتان الداران لا تفنيان ، ودار لمن معه خبث وطيب ، وهي الدار التى تفنى وهي دار العصاة ، فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد ، فإنهم إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة ، ولا يبقى إلا دار الطيب المحض ، ودار الخبث المحض .
5- وقد وصف الله عز وجل منقلب المؤمنين في لآخرة بالطيب ، فحياتهم طيبة ، ومساكنهم طيبة ومطاعمهم ومشاربهم طيبة ، وذلك في غير ما آية من كتابه فقال سبحانه : ﴿ وَعَدَ اللهُ الْمُؤمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَالِكَ هُوَ الْفَوْزُ العَظِيمُ ﴾ [ التوبة : 72]
وقال سبحانه : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [ النخل : 97]
وقال سبحانه : ﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ [الإنسان : 21] .
من كتاب النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى للدكتور محمد بن حمد الحمود النجدي