يقول الله تعالى (إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لَا يَهْدِى القَوْمَ الكَافِرِينَ)
( سورة التوبة:37) النَّسيء على وزن فَعِيل بمعنى مَفْعول، مأخوذ من نَسَأْتَ الشيء إذا أخَّرتَه، فهو منسوء ونسيء كمقتول وقتيل، أو مأخوذ من نسأ إذا زاد، وكان العرب في الجاهلية وهم أصحاب حروب يَشقُّ عليهم أن يمكثوا ثلاثة أشهر متوالية بدون إغارة وهي أشهر الحج: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، فكانوا يُحلون المُحرَّم ويؤخِّرون تحريم القتال إلى صَفَر، ويجْعلونه بَدَلَهُ من الأشْهر الحُرُم وهكذا كانوا يفْعلون كلَّ عام بتأْخير شهر عن موعده، وكان يقوم بذلك واحد منهم لا يُردُّ له قضاء اسمه “القَلَمَّس.
ولمَّا جاء الإسلام رجع شهرُ المحرم. إلى موضعه الذي وضعه الله، وهذا معنى قوله (ص) في حَجَّة الوداع ” إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم وصادَف حجُّ رسول الله (ص) موضعَه الحقيقي من الشهور التي غيَّروها، فكان تحريم الشُّهور وتحليلها بحسب حاجتهم، وذلك كله ضلال، ومظهر من مظاهر كفرهم، يُضَم إلى ما سبق أن ارتكبوه من مخالفات لدين الله. ولو كان للناس الحرية في تنظيم أمورهم وتوقيتها فإنها حُريَّة مُقيَّدة بما حدده الله سبحانه، فللصلوات وللصيام وللحج وغير ذلك أوقات محدَّدة اختارها بعِلمه وحِكمته، لتدور مع الظُّروف، ولينسجم المسلمون مع سنن الله الكونية، وليظهر إيمانهم المطلق بشريعة الله مهما كان فيها من امتحانات.