إن مسألة الرسوم  المسيئة للأنبياء، وحكم رسم الرسول الذي أثار غضب الشعوب الإسلامية ليس هي قضية الرسوم بصفة خاصة، بل هي قضية الاستهزاء بالرسول ، فحصر الأمر في مجرد الرسم إبعاد للأمر عن سياقه وظرفه، فقد اصطفى الله رسله واصطفى من رسله رسوله ، قال تعالى: (اللهُ يَصْطَفِي مِن الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) (سورة الحج: 75).

وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي عَمَّارٍ شَدَّادٍ أَنَّهُ سَمِعَ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ يَقُولُا: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ.”

فالرسم في حد ذاته محرما لأمرين.

الأمر الأول: أن جمهور العلماء ذهب إلى تحريم رسم ما فيه روح كالإنسان والحيوان، لقوله –-:” إن أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصورون” رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه.

الأمر الثاني: أن العلماء قد أجمعوا على حرمة رسم وتصوير الملائكة والرسل، أو تجسيد أدوار الأنبياء والملائكة في المشاهد التلفزيونية.

فقد جاء في فتوى الشيخ حسنين مخلوف في شهر مايو 1950 م ” الفتاوى الإسلامية ـ المجلد الرابع صفحة 1297 ” ولجنة الفتوى بالأزهر في شهر يونيه 1968 م، ومجلس مجمع البحوث الإسلامية في فبراير 1972، والمؤتمر الثامن للمجمع في أكتوبر 1977 م، ومجلس المجمع في أبريل 1978 م، ودار الإفتاء في أغسطس 1980 م ما يلي:

يحرم تمثيل الأنبياء والرسل أو تصويرُهم أو التعْبِير عنهم بأية وسيلة من الوسائل، ومُنْطَلَق التحريم هو أن درءَ المفاسد مُقَدَّم على جلب المصالح، فإذا كانت الثقافة تحتاج إلى خروج على الآداب فإن الضرر من ذلك يفوق المصلحة ـ وذلك إلى جانب مُبَرِّرات التحريم التي سبق ذكرها ـ كما جاء في عبارة دار الإفتاء: أن عِصْمَةَ الله لأنبيائه ورُسُله من أن يتمثل بهم شيطان مانعة من أن يمثل شخصياتهم إنسان، ويمتد ذلك إلى أصولهم وفروعهم وزوجاتهم وصحابة الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن جهة العِبْرَة من قصص الأنبياء قال : كيف تتأتَّى الاستفادة من تمثيل إنسان لشخص نبي، ومن قبلُ مَثَّل شخص عِرْبِيدٌ مُقَامِر سِكِّير رفيقُ حَانَاتٍ وأخ للدِّعارة والدَّاعِرَات، ومن بَعْدُ يمثل كل أولئك أو كثيرًا منهم؟. أهـ.

هذا هو حكم الرسم المجرد عن نية الاعتداء، أما الرسوم التي تحمل في طياتها الاستهزاء والسخرية فإنها تخرج عن حكم الرسم المجرد إلى حكم الاستهزاء والسخرية من النبي الكريم ـ فداه أبي وأمي ـ من هنا جاءت غضبة المسلمين، وهنا يأخذ الأمر منعطفا آخر غير الرسوم وينتقل من مجرد رسم إلى كونه سبا للنبي .

أما الاحتجاج بأن هناك بعض المسلمين في أزمان متأخرة قد حاول رسم النبي فإن فعلهم لا يعد حجة على الشرع، بل هم قد ارتكبوا حراما عندما قاموا بهذا الرسم، أما في مسالة الرسام المستهزء فهو اتخذ من الرسم أداة للسب والاستهزاء فهذا أمران قد اختلفا في الباعث وطريقة العرض، واتفقا في الأداة، فالرسام المسلم كان الباعث إلى رسم النبي هو محاولة إجلاله ، فاتخذ من الرسم وسيلة لذلك، ومع ذلك فما فعله حرام.

أما الرسام المستهزء فقد كان الباعث لرسمه هو النيل من شخصية النبي الكريم واتخذ من الرسم وسيلة لذلك فرسم النبي في صورة مهينة لا تليق بشخصه الكريم بغية السب والطعن والاستهزاء والسخرية، فالتسوية بين الأمرين خطأ، وقياس هذا على ذاك لا يستقيم.

فرسم النبي له حكم والاستهزاء بالنبي له حكم آخر، ووجود بعض الرسوم في مكان هنا أو هناك لا يعطي لها صفة الشرعية وتعد حجة على الشرع وفي نهاية المقام حري بكل من له صداقة مع شخص أجنبي أن يستثمر هذه الصداقة في توضيح مقام النبي وفضل النبي على الناس عامة وعلى المسلمين خاصة، عملا بوصية النبي لابن عمه علي بن أبي طالب يوم خيبر، فقد أخرج البخاري في صحيحه: “عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ فَقَامُوا يَرْجُونَ لِذَلِكَ أَيُّهُمْ يُعْطَى فَغَدَوْا وَكُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَى فَقَالَ أَيْنَ عَلِيٌّ فَقِيلَ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ فَأَمَرَ فَدُعِيَ لَهُ فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ مَكَانَهُ حَتَّى كَأَنَّه لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيْءٌ فَقَالَ نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ” وأسأل الله أن ينفع بك، وأن يجري الحق على لسانك، ونسعد بتواصلك معنا وثقتك فينا.