رفع اليدين عند الدعاء تعبير عن المعتاد بين الناس عند طلب الأدنى من الأعلى ، مستجديًا متضرعًا، وقد ثبت عن النبى فى عدة أحاديث أنه رفع يديه عند الدعاء ، فى الاستسقاء وغيره ، وقد ساق البخارى عدة أحاديث فى ذلك فى آخر كتاب الدعوات وصنف المنذرى فى هذا جزءًا .‏ وقال النووى فى شرح صحيح مسلم : هى أكثر من أن تحصر، قال :‏ وقد جمعت فيها نحوًا من ثلاثين حديثًا من الصحيحين أو أحدهما.‏

قال :‏ وذكرتها فى آخر باب صفة الصلاة فى شرح المهذب “نيل الأوطار ج ‏4 ص ‏9 “.‏
من هذه الأحاديث ما رواه البخارى عن أبى موسى الأشعرى قال :‏ دعا النبى ثم رفع يديه ، ورأيت بياض إبطيه ، وما رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه عن سلمان الفارسى أن النبى قال “إن ربكم حيى كريم يستحيى من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا” أو قال ” خائبتين ” .‏ “الترغيب والترهيب ج ‏2 ص ‏195 ” .‏

ومن هنا قال العلماء بمشروعية رفع اليدين عند الدعاء بل بالندب اقتداء بالنبى غير أن جماعة كرهوا رفع اليدين فى غير الاستسقاء ، لحديث أنس “كان النبي لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا فى الاستسقاء ،فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه ” .‏ رواه البخارى ومسلم .‏

والقائلون بالجواز فى غير الاستسقاء ردوا على هؤلاء بأن كون أنس نفى الرؤية عنه لا يستلزم نفى رؤية غيره ، كما ثبت فى الأحاديث الصحيحة ، والمثبت مقدم على النافى .‏

أو يحمل حديث أنس على الرفع البليغ الذى يرى فيه بياض الإبطين وهو لا ينافى الرفع بغير ذلك ، كمجرد مد اليدين وبسطهما عند الدعاء .‏

والبعض كره رفع اليدين مطلقًا فى الاستسقاء وغيره ، لحديث مسلم عن عمارة بن رويبة ، وقد رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه ، فقال :‏
قبح اللَّه هاتين اليدين ، لقد رأيت رسول اللّه ما يزيد على أن يقول بيده هكذا ، وأشار بأصبعه المسبحة “تفسير القرطبى ج ‏7 ص ‏255 ” ويرد عليهم بما رد على غيره .‏

يقول القرطبى :‏ والدعاء حسن كيفما تيسر،وهو المطلوب من الإنسان لإظهار موضع الفقر والحاجة إلى اللَّه عز وجل والتذلل له أو الخضوع ، فإن شاء استقبل القبلة ورفع يديه فحسن وإن شاء فلا، فقد فعل ذلك النبى حسبما ورد فى الأحاديث وقد قال تعالى{‏ادعو ربكم تضرعًا وخفية}‏[ الأعراف :‏‏55]، ولم ترد صفة من رفع يدين وغيرهما ، وقال تعالى{‏الذين يذكرون اللّه قيامًا وقعودًا}‏ [آل عمران :‏ ‏191]، فمدحهم ولم يشترط حالة غير ما ذكر، وقد دعا النبى فى خطبته يوم الجمعة وهو غير مستقبل القبلة .‏

وكذلك روى عن ابن عمر أن النبى رفع يديه وقال ” اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد” وفى صحيح مسلم عن عمر:‏ رفع النبى(‏ )‏ يديه بالدعاء يوم بدر .‏

وعلى القول بمشروعية رفع اليدين عند الدعاء رويت عدة حالات فى كيفية الرفع ، منها جعل ظهورهما إلى جهة القبلة وهو مستقبلها، وجعل بطونهما مما يلى وجهه .‏
وروى عكس ذلك .‏

ومنها جعل كفيه إلى السماء وظهورهما إلى الأرض ، وروى عكس ذلك وكان ذلك فى الاستسقاء كما رواه مسلم “نيل الأوطار ج ‏4 ص ‏9 ” .‏

قال ابن حجر فى الفتح :‏قال العلماء :‏ السنة فى كل دعاء لرفع بلاء أن يرفع يديه جاعلاً ظهر كفيه إلى السماء ، وإذا دعا بحصول شيء أو تحصيله أن يجعل بطن كفيه إلى السماء .‏

وكذلك قال النووى فى شرح صحيح مسلم ، حاكيًا لذلك عن جماعة من العلماء .‏
وقيل :‏ الحكمة فى الإشارة بظهر الكفين فى الاستسقاء دون غيره التفاؤل بتقلب الحال كما قيل فى تحويل الرداء .‏
هذا ، ويكره عند الدعاء النظر إلى السماء ، لحديث مسلم وغيره أن النبى قال “لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء فى الصلاة إلى السماء ، أو ليخطفن اللَّه أبصارهم ” .‏
وقد يحمل النهى على رفع البصر فى الصلاة، أما فى غيرها فلا مانع ، لرواية للبخارى جاء فيها :‏ فنظر إلى السماء، وكان ذلك فى الاستسقاء ” نيل الأوطار ج ‏4 ص ‏10 ” .‏

ومسح الوجه باليدين بعد رفعهما فى الدعاء ورد فيه عن عمر بن الخطاب أنه قال :‏ كان رسول اللَّه إذا رفع يديه فى الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه .‏ رواه الترمذى وقال :‏ غريب ، أى رواه راو واحد فقط .‏ وعن ابن عباس نحوه كما فى سنن أبى داود .‏

قال النووى :‏ فى إسناد كل واحد ضعف “الأذكار للنووى ص ‏399” وجاء فى “بلوغ المرام ” شرح “سبل السلام “ج ‏4 ص ‏219 لابن حجر ، بعد ذكر حديث عمر:‏ أخرجه الترمذى وله شواهد منها عند أبى داود من حديث ابن عباس وغيره ، ومجموعها يقضى بأنه حديث حسن ،فالوارد من ذلك ليس بصحيح ، بل ضعيف ، ولكن مجموع الشواهد يرفع درجتها إلى الحسن فتقبل .‏ اهـ .‏

نكرر التنبيه فنقول :‏ إن مد اليدين عند الدعاء يشبه ما يحدث عند طلب الفقير إحسانًا من الغنى، فعند شدة الحاجة قد يجثو السائل على ركبتيه ، يستدر بهذا الوضع عطف المسئول ، وهو فى هذا الوضع المتذلل يرفع يديه إلى أعلى يتلقى بهما الإحسان، فالمسلم الذى يدعو ربه يرفع يديه دليلاً على تذلـله وشدة حاجته ، ولذا كان النبى يلجأ إلى ذلك ويبالغ فيه فى الاستسقاء ونحوه ، وهذا دليل على علو مكانته سبحانه وتعالى.

و فى أذكار النووى عن رفع اليدين ومسح الوجه ثلاثة أوجه للشافعية أصحها استحباب الرفع وعدم مسح الوجه ، والثانى الرفع والمسح والثالث عدم الاثنين .‏