وصى الله تعالى بالإحسان إلى الوالدين ، وقرنه بالأمر بعبادته والنهي عن الشرك به ، وخص الأم بالذكر في بعض هذه الوصايا للتذكير بزيادة حقها على حق الأب .
قال تعالى : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ) قال ابن عباس : يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب ، فلا يغلظ لهما في الجواب ولا يحد النظر إليهما ، ولا يرفع صوته عليهما بل يكون بين يديهما كالعبد بين يدي السيد تذللاً لهما.
وقال تعالى : ( وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً ).
قال البغوي رحمه الله : يريد لا تقل لهما ما فيه أدنى تبرم ، والأف والتف : وسخ الأظفار ، ويقال لكل ما يستثقل ويضجر منه ، أف له .
وقال أبو البداح التجيبي : قلت لسعيد بن المسيب : كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته ، إلا قوله : ( وقل لهما قولاً كريماً ) ما هذا القول الكريم ؟ قال ابن المسيب : قول العبد المذنب للسيد الفظّ الغليظ .
ولا يختص بر الوالدين بكونهما مسلمين ، بل يبرهما وإن كانا كافرين ، قال تعالى : (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير وإن جاهداك على تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) فإذا أمر الله تعالى بمصاحبة هذين بالمعروف مع هذا القبح العظيم الذي يأمران ولدهما به ، وهو الإشراك بالله تعالى ، فما الظن بالوالدين المسلمين ، سيما إن كانا صالحين ، تالله إن حقهما لمن أشد الحقوق وآكدها ، وإن القيام به على وجهه أصعب الأمور وأعظمها ، فالموفق من هدي إليها والمحروم كل الحرمان من صرف عنها.
وقد جاء في السنة من الأحاديث في التأكيد على ذلك ما لا تحصى كثرته ، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال : ثم أبوك . رواه البخاري 13/4 ومسلم 2548 .
قال مكحول : بر الوالدين كفارة للكبائر .
فعلى المسلم الصبر على والديه حتى لو ناله الأذى منهم ، فببره لهما وإحسانه لمعاملتهما يكسب رضاهما وودهما ، وليحرص المسلم على أن يتجنب ما يثيرهما أو يغضبهما وإن كان فيه مصلحة له من غير أن يلحق به ضرر.
أما بالنسبة لدعاء الوالدين على الإبن ، فإن الدعاء إذا كان بغير حق لا يقبل ، ولا يجوز لهما الدعاء بغير حق لعموم قوله ﷺ : ” يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ” فدل هذا الحديث على أن الدعاء إذا كان متضمناً للإثم فإنه لا يستجاب ، ولا شك أن الاعتداء بالدعاء على الولد بغير حق من الإثم .