اختلف الفقهاء في العمل بالحديث الضعيف فمنهم من أهمل العمل به، ومنهم من أخذه في فضائل الأعمال، ومنهم من أخذ به مطلقا في الأحكام والفضائل ومن العلماء من أخذ به إلاّ إذا كان الراوي مجروحا بكذب أو غفلة أو مجهول الحال.
ومن شروط العمل بالحديث الضعيف: أن يكون الضعف غير شديد، وأن يكون له أصل يندرج تحته، وأن يكون العمل به في المواعظ والقصص والترغيب والترهيب، ولا يعمل به في الأحكام أو صفات الله عند الجمهور، وألا يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد الاحتياط.
لقد اختلفت مواقف العلماء من الحديث الضعيف والأخذ به، فطائفة رفضوا الأخذ به مطلقا، ومن هؤلاء يحيى بن معين والبخاري ومسلم وابن حزم وابن العربي وغيرهم، وطائفة أخذوا به في الفضائل والترغيب والترهيب وبهذا المذهب أخذ أكثر العلماء والأئمة من السلف والخلف، وطائفة ثالثة أخذوا به مطلقا في الأحكام والفضائل، واعتبروه خيرا من الرأي وأقوى منه، ويعزى هذا المذهب إلى أحمد بن حنبل وأبي داود ومن تبعهما.
ونتيجة لأخذ هذه الطائفة بالحديث الضعيف وعملهم به مطلقا على سبيل الاحتياط، انتشر في الفقه الإسلامي كثير من الأحكام التي كانت أحاديثها ضعيفة واشتهر العمل بها بين كافة المذاهب الإسلامية حتى صارت قضايا مسلمة لا تقبل الطعن ولا ينالها الأخذ والرد مع أن أدلتها ـ وهي الأحاديث ـ ضعيفة عند أهل الحديث لا تلزم أحدا ولا يجب العمل بها.
من ذلك مثلا ـ تحريم قراءة القرآن ومس المصحف ودخول المسجـد على الجنب والحائض فقد اتفقت المذاهب الأربعة وغيرهم على القول به مع أن الأحاديث الواردة فيه ضعيفة عند أئمة الحديث.
ومن ذلك سقوط قراءة الفاتحة خلف المأموم فقد قال به المالكية وغيرهم، ودليله حديث ضعيف وهو:(كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج إلا وراء الإمام).
ومن ذلك استحباب قراءة يس على الميت فقد انتشر العمل به بين المسلمين وقال بشرعيته أكثر العلماء في مختلف البلاد الإسلامية قديما وحديثا والحديث الوارد في ذلك ضعيف.
والذين يأخذون بالأحاديث الضعيفة يعتبرون الحديث الضعيف مقوى يتعدد طرقه وتعاضد أسانيده فيرتقي إلى الحسن إذا كان في بعض طرقه ضعف قريب محتمل كما قال النووي في التقريب: إذا روي الحديث من وجوه ضعيفة لا يلزم أن يحصل من مجموعها حسن، بل ما كان ضعفه لضعف حفظ راويه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجه آخر وصارا حسنا.
أما إذا كان الضعف شديدا فإنه لا يتقوى بتعدد طرقه المماثلة له، هذا ما ذهب إليه الجمهور، وخالف في ذلك الظاهرية، فقال ابن حزم: إذا كان في الطريق ـ سند الحديث ـ رجل مجروح بكذب أو غفلة أو مجهول الحال فهذا يقول به بعض المسلمين ولا يحل عندنا القول به ولا الأخذ بشيء منه (اهـ)، والمسالة نظر واجتهاد وما ذهب إليه الظاهرية هو الأقرب إلى الاطمئنان وأبعد من الارتياب.