الأحاديث الصحيحة تدل دلالة صريحة على تحريم البناء على القبور . وهذا ما عليه جهور الفقهاء. وكان الواجب أن تنفق هذه الأموال في أمور أخرى قد تنفع الميت كالصدقة عنه أو عمل صالح ينتفع به .

يقول فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة – أستاذ الفقه وأصوله – جامعة القدس – فلسطين :ـ

إن ما آلت إليه مقابر كثيرة من المسلمين في وقتنا الحاضر ليشعر بالأسى والحزن لبعد الناس عن هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وإن الزائر لهذه القبور ليرى أموراً عجيبة من حيث البناء على القبور فيرى هذا القبر قد بني من الرخام الإيطالي وذلك بني بأغلى أنواع الحجارة وهذا بني برخام أبيض وذاك بأسود حتى إن كثيراً من الناس أصبحوا يتفاخرون بالبناء على قبور موتاهم ، وسمعنا أن بعض هذه القبور كلف بناؤها مبالغ طائلة وكل ذلك من الابتعاد عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى باتباع نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام فقال :( وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ ) الحشر:7 . وقال تعالى :( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) آل عمران:31، وقال تعالى :( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) التغابن:12، وغير ذلك من الآيات .

لقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن البناء على القبور وقد ثبت ذلك عنه في أحاديث منها :

‏1. عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب ألا أبعثك على ما بعثتني رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته ) رواه مسلم وغيره .

‏2. وعن جابر رضي الله عنه قال ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن بينى عليه ) رواه مسلم .

‏3. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى على القبور أو يقعد عليها أو يصلى عليها ) رواه أبو علي وقال الهيثمي رجاله ثقات .

‏4. وعن فضالة بن عبيد :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بتسوية القبور ) رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم .

إن هذه الأحاديث تدل دلالة صريحة على تحريم البناء على القبور لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك والأصل في النهي أنه يفيد التحريم لذلك فإن جماهير علماء المسلمين متفقون على أن البناء على القبور من المحرمات .

‏ قال الإمام الشوكاني رحمه الله ( اعلم أنه اتفق الناس سابقهم ولاحقهم وأولهم وآخرهم من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى هذا الوقت أن رفع القبور والبناء عليها بدعة من البدع التي ثبت النهي عنها واشتد وعيد رسول الله لفاعلها .. ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين أجمعين ) شرح الصدور بتحريم رفع القبور ص 8 .

ولا بد للمسلم أن يعرف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة فلم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تعلية القبور ولا بناؤها بآجر ولا بحجر ولا تشيديها ولا بناء القباب عليها فسنته صلى الله عليه وسلم تسوية القبور المشرفة كلها ونهى عن تجصيص القبور والبناء عليها والكتابة عليها وكانت قبور الصحابة رضي الله عنهم وما زال كثير منها غير مبني عليه كما هو الحال إلى الآن في شهداء بدر وشهداء أحد وقبور الصحابة في البقيع وغيره .

وينبغي أن يعلم أن القبور ليست محلاً لتفاخر الناس في البناء عليها وزخرفتها وتخطيط اللوحات التي توضع عليها ويكتب فيها آيات من القرآن الكريم وغير ذلك .

وإن الميت لا ينتفع بالبناء على قبره أو وضع الرخام عليه ، وإن إنفاق الأموال في هذا المجال إنفاق فيما حرم الله.