حقيقة الربا

كثير من الناس يحاول أن يجعل الظاهر غامضا، حتى يبعد الشيء عن دائرة الحرام، أو على الأقل يدخل فيه الشبهة بعد الوضوح ،ومن هذه الأشياء الربا ، فالله تعالى لا يحرم على عباده شيئا غامضا ،ومن المعلوم أن الربا هو كل زيادة مشروطة مقدما في قرض لزيادة الأجل ، وقد تخفى بعض صور الربا على بعض الناس ، ولكن حقيقته واضحة، وخاصة في ربا القروض بالبنوك التجارية .
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي :

ومما اتَّكأ عليه البعض قوله: إن الفقهاء اعتمدوا في تحديد معنى الربا على حديث ” كل قرض جر نفعًا فهو ربا” وهذا حديث لم يثبت، كما ذكر ذلك صاحب(كشف الخفاء) وغيره.
وهذه طريقة يسلكها بعض الناس في الحوار: أن يعزو إلى خصمه قولاً ضعيفًا – لم يقله – ليسهل عليه نقضه وإبطاله.

والواقع أن الفقهاء لا يجعلون من هذا الحديث سندًا لهم وإن ذكر في بعض الكتب، التي لا تعنى بتوثيق ما تذكر. كيف والفقهاء جميعًا يجيزون القرض إذا جر نفعًا غير مشروط في العقد، وإنما دفعه المقترض عند الأداء من باب مكارم الأخلاق.

وهذا ما صنعه النبي – صلى الله عليه وسلم -، حيث رد ما اقترض وزاد عليه وقال: “خيركم أحسنكم أداء” لهذا كان ظاهر هذا القول “كل قرض جر نفعًا فهو ربا” قولاً غير صحيح، والصحيح بل الصواب أن يقال: كل قرض اشترط فيه النفع مقدمًا فهو ربًا.

ما هو الربا المحرم

إن عمدة الفقهاء في تحديد معنى الربا هو القرآن نفسه، حيث يقول تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) (البقرة: 278). ثم يقول: (وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) (البقرة: 279).

فدلت الآية الكريمة على أن ما زاد على (رأس المال) فهو ربا، قل أو كثر.
فكل زيادة مشروطة مقدمًا على رأس المال مقابل الأجل وحده فهي ربًا.

وتحديد الربا الذي حرمه القرآن لا يحتاج إلى شرح أو تطويل، فلا يتصور أن يحرم الله على الناس شيئًا، ويتوعدهم بأشد الوعيد على فعله، وهم لا يعلمون ما هو . وقد قال تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا) “جزء من الآية 275 :البقرة”. وحرف التعريف هنا في لفظ (الربا) – سواء أكان للعهد أم للجنس أم للاستغراق – واضح الدلالة على حرمة الربا كله، ولو كان غامضًا لبينه الله لهم، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

إن الربا أمر معروف تعامل العرب به في الجاهلية، وتعامل به غيرهم، وعرف به اليهود من زمن بعيد، وسجله عليهم القرآن في سجل جرائمهم (وأخذهم الربا وقد نهوا عنه) (النساء: 161).

ولو كان هذا الربا الذي حرمه الله عليهم غامضًا، لسألوا عنه، حتى يعرفوه، فقد كانوا أحرص الناس على معرفة دينهم.
وما جاء عن بعض الصحابة أنه خَفِيَت عليه بعض صور من الربا، فهذا في ربا الفضل لا ربا النسيئة، في ربا البيوع لا ربا الديون.

وكلامنا إنما هو في ربا النسيئة، ربا الديون، فهو الذي تدور حوله المعركة اليوم، وهو الذي تتعامل به البنوك التجارية التقليدية.
والكلام عن ربا الفضل في هذا الوقت تمييع للقضية، وخروج عن موضوع النزاع.