يقول الأستاذ الدكتور أحمد يوسف سليمان أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة:

الصحيح أن إبليس –لعنه الله- كان من الجن مصداقًا لقوله –تعالى- في سورة الكهف: “وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً” (الكهف: آية 50) فصريح هذه الآية يدل على أنه كان من الجن، ولكنه كان موجودًا بين الملائكة أثناء طلب الله –عز وجل- منهم تحية آدم بالسجود له لتفوقه عليهم بالاستعداد للعلم. فشمله الطلب.

وإنما قال الله –عز وجل-: “وإذ قلنا للملائكة” رغم وجود غيرهم معهم لكثرتهم وتفرده وهذا جائز ومستساغ لغة وعقلاً؛ ولذلك فإن إبليس –لعنه الله- لم يعتذر بأنه غير مطالب بالسجود، لأنه ليس من الملائكة، لعلمه أن الخطاب يشمله كما يشمل الملائكة، وإنما كان ذنبه أو جريمته أنه رفض أمر الله –عز وجل- بقوة مستخدمًا القياس العقلي في مواجهة النص الواضح الصريح فهو يرى أن تحيته بالسجود لآدم مطلب غير عادل؛ لأن السجود إنما يكون من المفضول للفاضل، وإبليس –لعنه الله- يرى نفسه أفضل من آدم، ومسوغ هذا التفضيل –من وجهة نظره- أنه مخلوق من نار، وأن آدم مخلوق من طين، والنار أفضل من الطين؛ إذن فهو أفضل من آدم؛ وبناء عليه فلا ينبغي أن يسجد له وهو أفضل.

والصحيح أن الله –عز وجل- فضل آدم باستعداده للعلم وهو أعلم بمن يفضل وهو خالق الجميع، وإبليس يعلم أن آدم أفضل عند الله –عز وجل- منه، ولذلك حقد عليه وحسده، وقد جاء في دفاع إبليس عن نفسه –في القرآن الكريم ما يدل على تحقيره لآدم والاستهانة به، والتقليل من شأنه، ومن تلك المواضع قوله –تعالى-: “قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً” (الإسراء: آية 62) وقوله: “أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ” ( الأعراف: آية12).